مّا يوم الجونين الذي ذكره
جرير، فهو اليوم الذي أغار فيه عتيبة بن الحارث بن شهاب على بني كلاب، و هو يوم
الرّغام [2].
أخبرني بخبره عليّ بن
سليمان الأخفش و محمد بن العباس اليزيدي، عن السكري عن ابن حبيب، و دماذ عن أبي
عبيدة و عن إبراهيم بن سعدان عن أبيه:
أنّ عتيبة بن الحارث بن
شهاب أغار في بني ثعلبة بن يربوع على طوائف من بني كلاب يوم الجونين فاطّرد إبلهم،
و كان أنس بن العباس الأصمّ، أخو بني رعل من بني سليم، مجاورا في بني كلاب، و كان
بين بني ثعلبة بن يربوع و بين بني رعل عهد: لا يسفك دم و لا يؤكل مال. فلمّا سمع
الكلابيون الدّعوى: يال ثعلبة! يال عبيد! يال جعفر [3]! عرفوهم، فقالوا لأنس/ بن
العباس: قد عرفنا ما بين بني رعل و بني ثعلبة بن يربوع، فأدركهم فاحبسهم علينا
حتّى نلحق. فخرج أنس في آثارهم حتى أدركهم، فلما دنا منهم قال عتيبة بن الحارث
لأخيه حنظلة: أغن عنّا هذا الفارس فاستقبله حنظلة فقال له أنس: إنّما أنا أخوكم و
عقيدكم، و كنت في هؤلاء القوم فأغرتم على إبلي فيما أغرتم عليه، و هو معكم. فرجع
حنظلة إلى أخيه فأخبره الخبر فقال له: حيّاك اللّه، و هلم فوال إبلك [4]، أي
اعزلها.
قال: و اللّه ما أعرفها، و
بنو أخي و أهل بيتي معي و قد أمرتهم بالركوب في أثري، و هم أعرف بها منّي. فطلع
فوارس بني كلاب فاستقبلهم حنظلة بن الحارث في فوارس فقال لهم أنس: إنّما هم بنيّ و
بنو أخي [5]. و إنما يربّثهم لتلحق فوارس بني كلاب. فلحقوا فحمل/ الحوثرة بن قيس
بن جزء بن خالد بن جعفر على حنظلة فقتله [6]، و حمل لأم بن سلمة أخو بني ضبارى بن
عبيد ثعلبة على الحوثرة هو و ابن مزنة [7] أخو بني عاصم بن عبيد، فأسراه و دفعاه
إلى عتيبة فقتله صبرا، و هزم الكلابيّون و مضى بنو ثعلبة بالإبل و فيها إبل أنس،
فلم تقرّ أنسا نفسه حتى اتّبعهم رجاء أن يصيب منهم غرة و هم يسيرون في شجراء [8].
فتخلّف عتيبة لقضاء حاجته، و أمسك برأس فرسه فلم يشعر إلّا بأنس قد مرّ في آثارهم،
فتقدّم حتى وثب عليه فأسره، فأتى به عتيبة أصحابه فقال بنو عبيدة: قد عرفنا أنّ
لأم بن سلمة و ابن مزنة [7] قد أسرا الحوثرة فدفعاه إليك فضربت عنقه؛ فأعقبهما [9]
في أنس بن عبّاس، فمن قتلته خير من أنس. فأبى عتيبة أن يفعل ذلك حتّى افتدى أنس
نفسه بمائتي بعير.