ثم أمر بالانصراف
فانصرفوا، فلمّا بلغوا السّتر صاح به الخادم: يا قرشيّ مكانك. فوقف مكانه فخرج
إليه بخلع و سبعة آلاف دينار، و أمر إن شاء أن يقيم، و إن شاء أن ينصرف.
غناء امرأة جرهمية بشعر مضاض:
أخبرني الحسين بن يحيى عن
حماد عن أبيه قال: ذكر الكلبي عن أبيه: أنّ الناس بيناهم في ليلة مقمرة في المسجد
الحرام، إذ بصروا بشخص قد أقبل [2] كأنّ قامته رمح، فهربوا من بين يديه و هابوه؛
فأقبل حتّى طاف بالبيت الحرام سبعا ثم وقف فتمثّل:
كأن لم يكن بين الحجون
إلى الصّفا
أنيس و لم يسمر بمكّة سامر
قال: فأتاه رجل من أهل
مكّة؛ فوقف بعيدا منه ثم قال: سألتك بالذي خلقك أ جنّيّ أنت أم إنسيّ [3]؟ فقال:
بل إنسيّ، أنا امرأة من
جرهم، كنّا سكّان هذه الأرض و أهلها، فأزالنا/ عنها هذا الزمان الذي يبلي كلّ جديد
و يغيّره! ثم انصرفت خارجة [4] عن المسجد حتّى غابت عنهم، و رجعوا إلى مواضعهم.
إنشاد شعره في رؤيا و
تأويل ذلك:
أخبرني محمد بن خلف وكيع
قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال: حدّثني أبي عن جدّي قال: قال لي يحيى بن خالد
يوما: أخبرك برؤيا رأيتها؟ قلت: خيرا رأيت. قال: رأيت كأنّي خرجت من داري راكبا،
ثم التفتّ يمينا و شمالا فلم أر معي أحدا، حتّى صرت إلى الجسر، فإذا بصائح يصيح من
ذلك الجانب:
كأن لم يكن بين
الحجون إلى الصّفا
أنيس و لم يسمر بمكّة سامر
فأجبته بقوله:
بلى نحن كنّا أهلها
فأبادنا
صروف اللّيالي و الجدود العواثر
فانصرفت إلى الرشيد
فغنّيته الصوت، و خبرته الخبر، فعجب منه. و ما مضت الأيّام حتّى أوقع بهم [5].
صوت
شافني الزائرات قصر
نفيس
مثقلات الأعجاز قبّ البطون
و «البيان». و في سائر النسخ «لئن حرمتني كل ما كنت أرتجي».
[1]
ما عدا ط، م، مب، مط «نازلا به». «البيان»: «بمصيبه».