الدعاء و نصبوا فلمع لهم
سراب فأقبل على الدعاء، ثم لمع لهم آخر كذلك فقال الرائد: ماء. فقام و قام الناس
فمشينا حتّى نزلنا عليه فشربنا و اغتسلنا، فما تعالى النهار حتّى أقبلت الإبل من
كلّ وجه و أناخت إلينا، فقام كلّ رجل إلى ظهره فأخذه، فما فقدنا سلكا [1]،
فأرويناها العلل بعد النّهل و تروّحنا. و كان أبو هريرة رفيقي، فلما غبنا عن ذلك
المكان قال لي: كيف علمك بموضع ذلك الماء؟ فقلت: أنا أهدى الناس [2] بهذه البلاد.
قال: فكّر معي حتى تقيمني عليه. فكررت به فأنخت على ذلك المكان بعينه، فإذا هو لا
غدير به، و لا أثر للماء، فقلت له: و اللّه لو لا أنّي لا أرى الغدير لأخبرتك أنّ
هذا هو المكان، و ما رأيت بهذا المكان ماء قبل ذلك [3]. فنظر أبو هريرة فإذا إداوة
مملوءة فقال: يا سهم، هذا و اللّه المكان و لهذا رجعت و رجعت بك. و ملأت إداوتي
هذه ثم وضعتها على شفير الوادي فقلت: إن كان منّا من المن و كانت آية عرفتها، [و
إن كان غياثا عرفته. فإذا منّ من المنّ] [4] و حمدت اللّه جلّ و عز. ثمّ سرنا
حتّى نزلنا هجر فأرسل العلاء إلى الجارود و رجل آخر: أن انضمّا في عبد القيس حتّى
تنزلا على الحطم مما يليكما. و خرج هو فيمن معه و فيمن/ قدم عليه [5] حتّى ينزل
مما يلي هجر. و تجمّع المسلمون كلّهم إلى العلاء بن الحضرميّ، ثم خندق المسلمون و
المشركون فكانوا يتراوحون القتال و يرجعون إلى خندقهم، فكانوا كذلك شهرا. فبينا
الناس ليلة كذلك إذ سمع المسلمون في عسكر المشركين ضوضاء شديدة، فكأنّها ضوضاء
هزيمة فقال العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال عبد اللّه بن حذف: أنا آتيكم بخبر
القوم- و كانت أمّه عجليّة- فخرج حتّى إذا دنا من خندقهم أخذوه فقالوا له: من أنت؟
فانتسب لهم و جعل ينادي يا أبجراه! فجاء أبجر بن بجير فعرفه فقال:
ما شأنك؟ فقال لا أضيعنّ
الليلة بين اللّهازم، علام/ أقتل و حولي عساكر من عجل و تيم اللات و عنزة و قيس، أ
يتلاعب بي الحطم و نزّاع القبائل و أنتم شهود! فتخلّصه و قال: و اللّه إنّي لأظنك
بئس ابن الأخت لأخوالك الليلة.
قال: دعني من هذا و
أطعمني، فقد متّ جوعا. فقرب إليه طعاما فأكل. ثم قال: زوّدني و احملني و جوّزني
انطلق إلى طيّتي. و يقول ذلك لرجل قد علب عليه الشراب، ففعل و حمله على بعير و
زوّده و جوّزه. و خرج عبد اللّه حتّى دخل عسكر المسلمين، فأخبرهم أنّ القوم سكارى،
فخرج القوم عليهم حتى اقتحموا عسكرهم فوضعوا فيهم السيوف حيث شاءوا، و اقتحموا
الخندق هرّابا، فمتردّ، و ناج، و دهش، و مقتول، و مأسور. و استولى المسلمون على ما
في العسكر، و لم يفلت رجل إلّا بما عليه. فأمّا أبجر فأفلت، و أمّا الحطم فإنه بعل
و دهش و طار فؤاده [6]، فقام إلى فرسه و المسلمون خلالهم يجوسونهم ليركبه، فلما
وضع رجله في الركاب انقطع، فمر به عفيف بن المنذر أحد بني عمرو بن تميم، و الحطم
يستغيث و يقول: أ لا رجل من بني قيس بن ثعلبة يعقلني؟ فرفع صوته فعرفه عفيف فقال:
أبو ضبيعة؟/ قال: نعم. قال: أعطني رجلك أعقلك. فأعطاه رجله يعقلها فنفحها فأطنّها
من الفخذ [7] و تركه، فقال: أجهز عليّ. فقال: إنّي لأحبّ أن لا تموت حتى أمضّك. و
كان مع عفيف عدّة من ولد أبيه فأصيبوا
[1]
السلك: جمع سلكة، و هو الخيط الذي
يخاط به الثوب.