responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 15  صفحة : 171

الدعاء و نصبوا فلمع لهم سراب فأقبل على الدعاء، ثم لمع لهم آخر كذلك فقال الرائد: ماء. فقام و قام الناس فمشينا حتّى نزلنا عليه فشربنا و اغتسلنا، فما تعالى النهار حتّى أقبلت الإبل من كلّ وجه و أناخت إلينا، فقام كلّ رجل إلى ظهره فأخذه، فما فقدنا سلكا [1]، فأرويناها العلل بعد النّهل و تروّحنا. و كان أبو هريرة رفيقي، فلما غبنا عن ذلك المكان قال لي: كيف علمك بموضع ذلك الماء؟ فقلت: أنا أهدى الناس [2] بهذه البلاد. قال: فكّر معي حتى تقيمني عليه. فكررت به فأنخت على ذلك المكان بعينه، فإذا هو لا غدير به، و لا أثر للماء، فقلت له: و اللّه لو لا أنّي لا أرى الغدير لأخبرتك أنّ هذا هو المكان، و ما رأيت بهذا المكان ماء قبل ذلك [3]. فنظر أبو هريرة فإذا إداوة مملوءة فقال: يا سهم، هذا و اللّه المكان و لهذا رجعت و رجعت بك. و ملأت إداوتي هذه ثم وضعتها على شفير الوادي فقلت: إن كان منّا من المن و كانت آية عرفتها، [و إن كان غياثا عرفته. فإذا منّ من المنّ‌] [4] و حمدت اللّه جلّ و عز. ثمّ سرنا حتّى نزلنا هجر فأرسل العلاء إلى الجارود و رجل آخر: أن انضمّا في عبد القيس حتّى تنزلا على الحطم مما يليكما. و خرج هو فيمن معه و فيمن/ قدم عليه [5] حتّى ينزل مما يلي هجر. و تجمّع المسلمون كلّهم إلى العلاء بن الحضرميّ، ثم خندق المسلمون و المشركون فكانوا يتراوحون القتال و يرجعون إلى خندقهم، فكانوا كذلك شهرا. فبينا الناس ليلة كذلك إذ سمع المسلمون في عسكر المشركين ضوضاء شديدة، فكأنّها ضوضاء هزيمة فقال العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال عبد اللّه بن حذف: أنا آتيكم بخبر القوم- و كانت أمّه عجليّة- فخرج حتّى إذا دنا من خندقهم أخذوه فقالوا له: من أنت؟ فانتسب لهم و جعل ينادي يا أبجراه! فجاء أبجر بن بجير فعرفه فقال:

ما شأنك؟ فقال لا أضيعنّ الليلة بين اللّهازم، علام/ أقتل و حولي عساكر من عجل و تيم اللات و عنزة و قيس، أ يتلاعب بي الحطم و نزّاع القبائل و أنتم شهود! فتخلّصه و قال: و اللّه إنّي لأظنك بئس ابن الأخت لأخوالك الليلة.

قال: دعني من هذا و أطعمني، فقد متّ جوعا. فقرب إليه طعاما فأكل. ثم قال: زوّدني و احملني و جوّزني انطلق إلى طيّتي. و يقول ذلك لرجل قد علب عليه الشراب، ففعل و حمله على بعير و زوّده و جوّزه. و خرج عبد اللّه حتّى دخل عسكر المسلمين، فأخبرهم أنّ القوم سكارى، فخرج القوم عليهم حتى اقتحموا عسكرهم فوضعوا فيهم السيوف حيث شاءوا، و اقتحموا الخندق هرّابا، فمتردّ، و ناج، و دهش، و مقتول، و مأسور. و استولى المسلمون على ما في العسكر، و لم يفلت رجل إلّا بما عليه. فأمّا أبجر فأفلت، و أمّا الحطم فإنه بعل و دهش و طار فؤاده [6]، فقام إلى فرسه و المسلمون خلالهم يجوسونهم ليركبه، فلما وضع رجله في الركاب انقطع، فمر به عفيف بن المنذر أحد بني عمرو بن تميم، و الحطم يستغيث و يقول: أ لا رجل من بني قيس بن ثعلبة يعقلني؟ فرفع صوته فعرفه عفيف فقال: أبو ضبيعة؟/ قال: نعم. قال: أعطني رجلك أعقلك. فأعطاه رجله يعقلها فنفحها فأطنّها من الفخذ [7] و تركه، فقال: أجهز عليّ. فقال: إنّي لأحبّ أن لا تموت حتى أمضّك. و كان مع عفيف عدّة من ولد أبيه فأصيبوا


[1] السلك: جمع سلكة، و هو الخيط الذي يخاط به الثوب.

[2] الطبري «أنا من أهدى الناس».

[3] الطبري «ماء ناقعا قبل اليوم».

[4] التكملة من «تاريخ الطبري».

[5] في الأصول «و فيمن قدر عليه». و أثبت ما في «الطبري».

[6] بعل: دهش و فرق فلم يدر ما يصنع.

[7] نفحه بالسيف: تناوله به. أطنها: قطعها.

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 15  صفحة : 171
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست