الجنة، أو يعجّلني بسيفه
إلى النار؟ فقام إليه علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: و الذي نفسي بيده لا
أفارقك حتّى يعجّلك اللّه عزّ و جلّ بسيفي إلى النار، أو يعجّلني بسيفك إلى
الجنّة! فضربه عليّ فقطع رجله فبدت عورته فقال:
أنشدك اللّه و الرحم يا
ابن عمّ. فتركه فكبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و قال لعليّ و أصحابه:
ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: إنّ ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته، فاستحييت منه.
ثم شدّ الزبير بن العوام و المقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم، و حمل النبيّ
صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه فهزموا أبا سفيان، فلما رأى ذلك خالد بن الوليد و
هو على خيل المشركين حمل فرمته الرماة فانقمع [1]، فلما نظر الرماة إلى رسول اللّه
صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه بادروا الغنيمة
فقال بعضهم: لا نترك أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم. و انطلق عامّتهم
فلحقوا بالعسكر، فلما رأى خالد قلّة الرماة صاح في خيله، ثم حمل فقتل الرماة، و
حمل على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فلمّا رأى المشركون أنّ خيلهم
تقاتل تبادروا فشدّوا على المسلمين فهزموهم و قتلوهم.
رجع إلى حديث ابن إسحاق
فقال رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و سلّم: من يأخذ هذا السيف بحقّه؟ فقام إليه رجال، فأمسكه بينهم، حتّى
قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة فقال: و ما حقّه يا رسول اللّه؟
قال: أن تضرب به في العدوّ حتّى ينحني. فقال: أنا آخذه بحقّه يا رسول اللّه.
فأعطاه إياه. و كان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب إذا كانت، و كان إذا
أعلم على رأسه بعصابة له حمراء علم الناس أنّه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول
اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أخذ عصابته تلك فعصب بها رأسه، ثم جعل يتبختر بين
الصّفّين.
قال محمد بن إسحاق: حدّثني
جعفر بن عبد اللّه بن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، عن رجل/ من الأنصار
من بني سلمة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين رأى أبا دجانة
يتبختر: إنّها مشية يبغضها اللّه إلّا في هذا الموطن. و قد أرسل أبو سفيان رسولا
فقال: يا معشر الأوس و الخزرج، خلّوا بيننا و بين ابن عمنا ننصرف عنكم، فإنّه لا
حاجة بنا إلى قتالكم. فردّوه بما يكره.
و عن محمد بن إسحاق عن
عاصم بن عمر بن قتادة أنّ أبا عامر عمرو بن صيفيّ بن النعمان بن مالك بن أمية، أحد
بني ضبيعة و قد خرج إلى مكة مباعدا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و معه
خمسون غلاما من الأوس، منهم عثمان بن حنيف- و بعض الناس يقول: كانوا خمسة عشر-
فكان يعد قريشا أن لو قد لقي محمدا لم يختلف عليه منهم رجلان. فلما التقى الناس
كان أوّل من لقيهم أبو عامر في الأحابيش و عبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس،
أنا أبو عامر.
قالوا: فلا أنعم اللّه بك
عينا يا فاسق. و كان أبو عامر يسمّى في الجاهلية الراهب، فسماه رسول اللّه/ صلّى
اللّه عليه و سلّم الفاسق.
فلما سمع ردّهم عليه قال:
لقد أصاب قومي بعدي شرّ! ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم راضخهم بالحجارة [2]. و قد قال
أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرّضهم بذلك على القتال، يا بني عبد
الدار، إنّكم وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم، و إنّما يؤتى الناس من
قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإمّا أن تكفونا لواءنا، و إمّا أن تخلّوا بيننا و
بينه فسنكفيكموه. فهمّوا به و توعّدوه و قالوا: نحن نسلم إليك لواءنا؟! ستعلم غدا
إذا التقينا كيف نصنع!