و ذكر ابن الكلبي أنّ
الفزاريّ لما وطئ إزار جبلة لطم جبلة كما لطمه، فوثبت غسّان فهشموا أنفه و أتوا به
عمر، ثم ذكر باقي الخبر نحو ما ذكرناه.
قصّة أخر في سبب تنصره:
و ذكر الزبير بن بكّار
فيما أخبرنا به الحرمي بن أبي العلاء عنه أن محمد بن الضحاك حدّثه عن أبيه:
أن جبلة قدم على عمر رضي
اللّه عنه في ألف من أهل بيته فأسلم. قال: و جرى بينه و بين رجل من أهل المدينة
كلام، فسبّ المديني [1] فردّ عليه، فلطمه جبلة فلطمه المديني، فوثب عليه أصحابه
فقال: دعوه حتّى أسأل صاحبه و أنظر ما عنده. فجاء إلى عمر فأخبره فقال: إنك فعلت
به فعلا ففعل بك مثله. قال: أ و ليس عندك من الأمر إلّا ما أرى. قال: لا فما الأمر
عندك يا جبلة؟ قال: من سبّنا ضربناه، و من ضربنا قتلناه. قال: إنّما أنزل القرآن
بالقصاص. فغضب و خرج بمن معه و دخل أرض الروم فتنصّر، ثم ندم و قال:
دعوة معاوية و عمر جبلة
بن الأيهم للرجوع إلى الإسلام:
و ذكر باقي خبره فيما وجّه
به إلى حسّان مثله، و زاد فيه:
أنّ معاوية لما ولي بعث
إليه فدعاه إلى الرجوع إلى الإسلام، و وعده إقطاع الغوطة بأسرها، فأبى و لم يقبل.
ثم إنّ عمر رضي اللّه عنه
بدا له أن يكتب إلى هرقل يدعوه إلى اللّه جلّ و عزّ و إلى الإسلام، و وجّه إليه
رجلا من أصحابه، و هو جثّامة بن مساحق الكناني، فلما انتهى إليه الرجل بكتاب عمر
أجاب إلى كلّ شيء سوى الإسلام، فلما أراد الرسول الانصراف قال له هرقل: هل رأيت
ابن عمّك هذا الذي جاءنا راغبا في ديننا؟ قال: لا. قال:
فالقه. قال الرجل: فتوجهت
إليه فلما انتهيت إلى بابه رأيت من البهجة و الحسن و السّرور ما لم أر بباب هرقل
مثله، فلما أدخلت عليه إذا هو في بهو عظيم، و فيه من التصاوير ما لا أحسن وصفه، و
إذا هو جالس على سرير من قوارير، قوائمه أربعة أسد من ذهب، و إذا هو رجل أصهب سبال
و عثنون، و قد أمر بمجلسه فاستقبل به وجه الشمس، فما بين يديه من آنية الذهب و
الفضّة يلوح، فما رأيت أحسن منه. فلمّا سلمت ردّ السلام و رحّب بي، و ألطفني و لا
مني على تركي النزول عنده، ثم أقعدني على شيء لم أثبته، فإذا هو كرسيّ من ذهب،
فانحدرت عنه فقال: مالك؟ فقلت: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نهى عن هذا.
فقال جبلة أيضا مثل قولي/ في النبي صلّى اللّه عليه و سلّم حين ذكرته، و صلّى
عليه. ثم قال: يا هذا إنّك إذا طهّرت قلبك/ لم يضرك ما لبسته و لا ما جلست عليه. ثم
سألني عن الناس و ألحف في السؤال عن عمر، ثم جعل يفكّر حتى رأيت الحزن في وجهه،
فقلت: ما يمنعك من الرجوع إلى قومك