و أعرض عما ساءه و كأنما
يقاد إلى ما ساءني بدليل
مجاملة منّي و إكرام غيره
بلا حسن منه و لا بجميل
و لو شئت لو لا الحلم جدّعت أنفه
بإيعاب جدع بادىء و عليل [1]
حفاظا على أحلام قوم رزئتهم
رزان يزينون الندىّ كهول
/ و قال في أخيه عبد ربّه:
أخي يسرّ الشّحناء يضمرها
حتى ورى جوفه من غمره الداء [2]
حرّان ذو غصّة جرّعت غصّته
و قد تعرّض دون الغصة الماء
حتى إذا ما أساغ الريق أنزلني
منه كما ينزل الأعداء أعداء
أسعى فيكفر سعي ما سعيت له
إني كذاك من الإخوان لقّاء
و كم يد و يد لي عنده و يد
يعدّهن تراب و هي آلاء
فأمّا تمام القصيدة التي نسبت إلى طرفة فأنا أذكر منها مختارها ليعلم أنّ مرذول/ كلام طرفة فوقه:
تصافح من لاقيت لي ذا عداوة
صفاحا و عنّي بين عينيك منزوي [3]
أراك إذا لم أهو أمرا هويته
و لست لما أهوى من الأمر بالهوي
أراك اجتويت الخير مني و أجتوي
أذاك، فكلّ يجتوي قرب مجتوي [4]
فليت كفافا كان خيرك كلّه
و شرّك عني ما ارتوى الماء مرتوي [5]
عدوّك يخشى صولتي إن لقيته
و أنت عدوّي، ليس ذاك بمستوي
و كم موطن لولاي صحت كما هوى
بأجرامه من قلّة النّيق منهوي [6]
/ إذا ما ابتنى المجد ابن عمك لم تعن
و قلت ألا يا ليت بنيانه خوي [7]
كأنك إن نال ابن عمّك مغنما
شج أو عميد أو أخو غلّة لوي [8]
و ما برحت نفس حسود حشيتها
تذيبك حتى قيل هل أنت مكتوي [9]
[2] يقال: ورى القيح جوفه: أفسده. الغمر: الحقد و الغل.
[3] بين، مرفوع بالابتداء، و منزوي خبره (و انظر «الخزانة» 1: 497).
[4] اجتواه: كرهه.
[5] الكفاف: الذي لا يفضل عن الشيء و يكون بقدر الحاجة إليه، و هو خبر مقدّم لكان و اسم ليت محذوف أو ضمير الشأن.
[6] طاح يطيح و يطوح: هلك. هوى و انهوى: سقط. أجرام: جمع جرم و هو الجسم. القلة: أعلى الجبل. النيق: أرفع موضع في الجبل.
[7] خوى المنزل: خلا من أهله.
[8] شج: حزين. العميد: المريض لا يستطيع الجلوس من مرضه حتى يعمد من جوانبه بالوسائد (أي يقام). لوى: أصابه اللوي؛ و هو وجع في الجوف، و الغلة: حرارة الجوف.
[9] يقال حشي الرجل بنفسه و حشيها، (بالبناء للمجهول) من حشا الوسادة إذا ملأها.