و قد
روى الزبير أيضا في خبر هذه المرأة غير هذا، و خالف المعاني [1]
كثير و امرأة
لقيها بقديد
أخبرني الحرميّ
بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال حدّثني سليمان بن عيّاش السعديّ
قال:
كان كثيّر يلقى
حاجّ المدينة من قريش بقديد [2] في كل سنة، فغفل عاما من الأعوام عن يومهم الذي
نزلوا فيه قديدا [3] حتى ارتفع النهار، ثم ركب جملا ثقالا [4] و استقبل الشمس [5]
في يوم صائف، فجاء قديدا و قد كلّ و تعب، فوجدهم قد راحوا. و تخلّف فتى من قريش
معه راحلته حتى يبرد [6]. قال الفتى القرشيّ: فجلس كثيّر إلى جنبي و لم يسلّم
عليّ، فجاءت امرأة وسيمة جميلة، فجلست إلى خيمة من خيام قديد و استقبلت كثيّرا
فقالت: أ أنت كثيّر؟
قال: نعم.
قالت: ابن أبي جمعة؟ قال: نعم. قالت: الذي يقول:
لعزّة أطلال أبت أن تكلّما
قال: نعم.
قالت: و أنت الذي تقول فيها:
و كنت إذا ما جئت أجللن مجلسي
و أظهرن منّي هيبة لا تجهّما
فقال: نعم.
قالت: أعلى هذا الوجه هيبة؟ إن كنت كاذبا فعليك لعنة اللّه و الملائكة و الناس
أجمعين. فضجر و قال: من أنت؟ فلم تجبه بشيء، فسأل الموليات اللواتي/ في الخباء
بقديد عنها، فلم يخبرنه شيئا، فضجر و اختلط. فلما سكن من شأوه [7] قال: أ أنت الذي
تقول:
متى تحسروا عنّي العمامة تبصروا
جميل المحيّا أغفلته الدواهن
أ هذا الوجه
جميل المحيّا؟ إن كنت كاذبا فعليك لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين. فاختلط و
قال: و اللّه ما عرفتك، و لو عرفتك لفعلت و فعلت. فسكتت، فلما سكن من شأوه قالت: أ
أنت الذي تقول:
أ هذا الوجه
يروق العيون الناظرات؟ إن كنت كاذبا فعليك لعنة اللّه و لعنة اللاعنين و الملائكة
و الناس أجمعين.
فازداد ضجرا و
غيظا و اختلاطا و قال لها: قد عرفتك و اللّه لأقطعنّك و قومك بالهجاء. ثم قال
فالتفتّ في أثره، ثم رجعت طرفي نحو المرأة فإذا هي قد ذهبت، فقلت لمولاة من
مولياتها بقديد: لك اللّه عليّ إن أخبرتني من هذه المرأة لأطوينّ لك ثوبيّ هذين
إذا قضيت حجّي ثم أعطيكهما. فقالت: و اللّه لو أعطيتني زنتهما ذهبا ما أخبرتك من
هي؛ هذا كثيّر و هو مولاي قد سألني عنها فلم أخبره. قال الفتى القرشيّ: فرحت و
اللّه و بي أشدّ مما بكثيّر.
[1]
في ف: «في خبر هذه المرأة غير هذه الرواية، و خالف في معانيها».