و
رأيت رجلا صغير العينين، ضيّق الجبهة طويلا يقود فرسا له، معه جفير لا يجاوز يده.
قال: ذلك ربيعة بن عقيل.
قالت: و رأيت
رجلا آدم، معه ابنان له حسنا الوجه أصهبان، إذا أقبلا نظر القوم إليهما [حتى
ينتهيا، و إذا أدبرا نظروا إليهما [1]]. قال: ذلك عمرو بن خويلد بن نفيل بن عمرو
بن كلاب، و ابناه يزيد و زرعة. و يقال قالت: و رأيت فيهم رجلين أحمرين جسيمين ذوي
غدائر لا يفترقان في ممشى و لا مجلس، فإذا أدبرا اتّبعهما القوم بأبصارهم، و إذا
أقبلا لم يزالوا ينظرون إليهما حتى يجلسا. قال: ذانك خويلد و خالد/ ابنا نفيل.
قالت: و رأيت رجلا آدم جسيما كأنّ رأسه مجزّ [2] غضورة- و الغضورة: حشيش دقاق خشن
قائم يكون بمكة. تريد أنّ شعره قائم خشن كأنه حشيش قد جزّ-. قال: ذلك عوف بن
الأحوص. قالت: و رأيت رجلا كأنّ شعر فخذيه حلق الدّروع. قال: ذلك شريح بن الأحوص.
قالت: و رأيت رجلا أسمر [3] طويلا يجول في القوم كأنه غريب. [قال: ذلك عبد اللّه
بن جعدة. و يقال قالت: و رأيت رجلا كثير شعر الرأس، صخّابا لا يدع طائفة من القوم
إلّا أصخبها [1]]. قال: ذلك عبد اللّه بن جعدة ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
أسر معبد بن
زرارة و مقتله:
فسارت بنو عامر
نحوهم، و التقوا برحرحان، و أسر يومئذ معبد بن زرارة، أسره عامر بن مالك، و اشترك
في أسره طفيل بن مالك و رحل من غنيّ يقال له أبو عميلة و هو عصمة بن وهب و كان أخا
طفيل بن مالك من الرّضاعة.
و كان معبد/ بن
زرارة [رجلا كثير المال. فوفد لقيط بن زرارة [4]] على عامر بن مالك في الشهر
الحرام. و هو رجب، و كانت مضر تدعوه الأصمّ؛ لأنهم كانوا لا يتنادون فيه يا لفلان
و يا لفلان، و لا يتغازون و لا يتنادون فيه بالشّعارات [5]، و هو أيضا منصل الألّ.
و الألّ: الأسنّة؛ كانوا إذا دخل رجب أنصلوا [6]، الأسنّة من الرّماح حتى يخرج
الشهر. و سأل لقيط عامرا أن يطلق أخاه. فقال: أمّا حصّتي فقد وهبتها لك، و لكن أرض
أخي و حليفي اللّذين اشتركا فيه. فجعل لقيط لكلّ واحد مائة من الإبل، فرضيا و أتيا
عامرا فأخبراه. فقال عامر للقيط: دونك أخاك، فأطلق عنه. فلمّا أطلق فكّر لقيط في
نفسه فقال: أعطيهم مائتي بعير ثم تكون لهم النعمة عليّ بعد ذلك! لا و اللّه لا
أفعل ذلك! و رجع إلى عامر فقال: إنّ أبي زرارة نهاني أن أزيد على مائة دية مضر،
فإن أنتم رضيتم أعطيتكم مائة من الإبل. فقالوا: لا حاجة لنا في ذلك؛ فانصرف لقيط.
فقال له معبد: مالي يخرجني من أيديهم. فأبى ذلك عليه فقال: إذا يقتسم العرب بني
زرارة. فقال معبد لعامر بن مالك: يا عامر! أنشدك اللّه لمّا خلّيت سبيلي، فإنما
يريد ابن الحمراء أن يأكل كلّ مالي- و لم تكن أمّه أمّ لقيط-. فقال له عامر: أبعدك
اللّه! إن لم يشفق عليك أخوك فأنا أحقّ ألّا أشفق عليك. فعمدوا إلى معبد فشدّوا
عليه القدّ و بعثوا به إلى الطائف، فلم يزل به حتى مات. فذلك قول شريح بن الأحوص:
[4] في
«الأصول»: «و كان معبد بن زرارة أغار على عامر بن مالك ...». و التكملة و التصويب
من «النقائض».
[5] كذا في
«ح» و «النقائض». و شعار القوم: علامتهم و اصطلاحهم الذي يتنادون به في الحرب. و
كان شعار أصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم في غزوهم: «يا منصور أمت أمت». و في
«سائر الأصول»: «بالثارات».