فأخذته و
ادّعيته و سترته طول أيّام الرشيد خوفا من أن أتّهم فيه و طول أيّام الأمين حتى
حدث عليه ما حدث. و قدم المأمون من خراسان و كان يخرج إلى الشمّاسيّة [1] دائما يتنزّه،
فركبت في زلّال [2] و جئت أتبعه، فرأيت حرّاقة عليّ بن هشام، فقلت للملّاح: اطرح
زلالي على الحرّاقة ففعل، و استؤذن لي فدخلت و هو يشرب مع الجواري- و ما كانوا
يحجبون جواريهم في ذلك الوقت ما لم يلدن- فإذا بين يديه متيّم و بذل [من] جواريه،
فغنّيته الصوت فاستحسنه جدّا و طرب عليه و قال: لمن هذا؟ فقلت: هذا صوت صنعته و
أهديته لك، و لم يسمعه أحد قبلك، فازداد به/ عجبا و طربا و قال لها: خذيه [3] عنه،
فألقيته عليها حتى أخذته، فسرّ بذلك و طرب، و قال لي [4]: ما أجد لك مكافأة على
هذه الهديّة إلّا أن أتحوّل عن هذه الحرّاقة بما فيها و أسلّمه إليك أجمع. فتحوّل
إلى أخرى، و سلّمت الحرّاقة بخزانتها و جميع آلاتها إليّ و كلّ شيء فيها، فبعت
ذلك بمائة و خمسين ألف درهم و اشتريت بها ضيعتي الصالحيّة.
غنى المأمون
لحنا في بيت لم يعرفه أحد ثم عرف بعد:
حدّثني جحظة
قال حدّثني ابن المكيّ المرتجل عن أبيه قال قال [5] إسحاق بن حميد كاتب أبي
الرازيّ، و حدّثني به عمّي قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني حسّان بن
محمد الحارثيّ عن إسحاق بن حميد كاتب أبي الرازيّ قال:
فقال المأمون:
اطلبوا لهذا البيت ثانيا فلم يعرف، و سأل كلّ من بحضرته من أهل الأدب و الرّواة و
الجلساء عن قائل هذا الشعر فلم يعرفه أحد. فقال إسحاق بن حميد: لمّا رأيت ذلك عنيت
بهذا الشعر و جهدت في المسألة و طلبته ببغداد عند كلّ متأدّب و ذي معرفة فلم
يعرفه. و قلّد المأمون أبا الرازيّ كور دجلة و أنا أكتب له، ثم نقله إلى اليمامة و
البحرين. قال إسحاق بن حميد: فلمّا خرجنا ركبت مع أبي الرازيّ في بعض اللّيالي [7]
على حمارة، فابتدأ الحادي يحدو بقصيدة طويلة، و إذا البيت الذي كنت أطلبه، فسألته
عنها فذكر أنها للمرقّش الأكبر، فحفظت منها هذه الأبيات: