كان ابن محرز بعيد عن الناس حمل ذكره فما يذكر منه إلا غناؤه
قال أبو أيّوب
و قال إسحاق: كان ابن محرز قليل الملابسة للناس، فأحمل ذلك ذكره فما يذكر منه إلّا
غناؤه، و أخذت أكثر غنائه جارية كانت لصديق له من أهل مكة كانت تألفه، فأخذه الناس
عنها. و مات بداء كان به. و سقط إلى فارس فأخذ غناء الفرس، و إلى الشأم فأخذ غناء
الروم، فتخيّر من نغمهم ما تغنّى به غناءه. و كان يقدم بما يصيبه فيدفعه إلى صديقه
ذاك فينفقه كيف شاء، لا يسأله عن شيء منه، حتّى إذا كاد أن [1] ينفد جهّزه و أصلح
من أمره، و قال له: إذا شئت فارحل، فيرحل ثم يعود. فلم يزل كذلك حتى مات.
ابن محرز
أوّل من غنّى بزوج من الشعر و اقتدى به المغنون في ذلك
[قال [2]]: و
هو أوّل من غنّى بزوج من الشّعر، و عمل ذلك بعده المغنّون اقتداء به. و كان يقول:
الأفراد لا تتمّ بها الألحان. و ذكر أنه أوّل ما أخذ الغناء أخذه عن ابن مسجح. قال
إسحاق: و كانت العلّة التي مات بها الجذام، فلم يعاشر الخلفاء و لا خالط الناس
لأجل ذلك.
قال أبو أيّوب
قال إسحاق: قدم ابن محرز يريد [3] العراق، فلمّا نزل القادسيّة [4] لقيه حنين،
فقال له: كم منّتك نفسك من العراق؟ قال: ألف دينار. قال: فهذه خمسمائة دينار فخذها
و انصرف و احلف ألّا تعود.
علو كعبه في صنعة
الغناء
و قال إسحاق: و
قلت ليونس: من أحسن الناس غناء؟ قال: ابن محرز. قلت: و كيف قلت [5] ذاك؟ قال: إن
شئت فسّرت، و إن شئت أجملت. قلت: أجمل. قال: كأنه خلق من كلّ قلب، فهو يغنّي لكل
إنسان بما يشتهي.
و هذه الحكاية
بعينها قد حكيت في ابن سريج، و لا أدري أيّهما الحقّ.
قال إسحاق: و
أخبرني الفضل بن يحيى بن خالد أنه سأل بعض من يبصر الغناء: من أحسن الناس غناء؟
فقال: أ من
الرجال أم من النساء؟ فقلت: من الرجال. فقال: ابن محرز. فقلت: فمن النساء؟ فقال:
ابن سريج.
قال: و كان
إسحاق يقول: الفحول ابن سريج، ثم ابن محرز، ثم معبد ثم الغريض، ثم مالك.
أخبرني الحسين
بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي حدّثنا بعض أهل المدينة، و أخبرني بهذا الخبر
الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني أخي هارون عن عبد
الملك بن الماجشون قال:
كان ابن محرز
أحسن الناس غناء، فمرّ بهند بنت كنانة بن عبد الرحمن بن نضلة بن صفوان بن أمية بن
محرّث [6] الكنانيّ حليف/ قريش، فسألته أن يجلس لها و لصواحب لها، ففعل و قال:
أغنّيكنّ صوتا أمرني
[1]
كذا في أكثر النسخ، و هو غير الفصيح في كاد من عدم اقتران خبرها بأن. و في ح، ر:
«كان ينفد» بالنون. و هو تحريف.
[4]
القادسية: بلدة قرب الكوفة بينها و بين الكوفة خمسة عشر فرسخا و بينها و بين
العذيب أربعة أميال، و كانت بها وقعة القادسية المعروفة بين المسلمين و الفرس في
عهد عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه سنة 16 من الهجرة.
[6] كذا في
ت، أ، م، ء. و في سائر النسخ: «محرز». قال في «القاموس» و «شرحه»: و سموا محرّثا
كمحمد، قال ابن الأعرابيّ: هو اسم جدّ صفوان بن أميّة بن محرّث، و صفوان هذا أحد
حكام كنانة ا ه.