قالوا: و كيف قلت ذاك يا أبا حزرة؟ قال: مخرج كلّ ما أسمعتموني من
الغناء من الرأس، و مخرج هذا من الصّدر.
تحكيم الأفلح
المخزوميّ في غناء رقطاء الحبطية و صفراء العلقمية
أخبرني الحسن
[1] بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أبي قال حدّثني
إبراهيم بن محمد الشافعيّ قال:
/ جاء سندة [2]
الخيّاط المغنّي إلى الأفلح [3] المخزوميّ- و كان يوصف بعقل و فضل- فقال له: من
أين أقبلت؟ و إلى أين تمضي؟ فقال: إليك قصدت من مجلس لبعض القرشيّين أقبلت محاكما
إليك. قال: في ما ذا؟ قال:
كنت عند هذا
الرجل و حضرت مجلسه رقطاء الحبطيّين، [4] و صفراء العلقميّين، فتناولتا بينهما رمل
ابن سريج:
ليت شعري كيف أبقى ساعة
مع ما ألقى إذا الليل حضر
من يذق نوما و يهدأ ليله
فلقد بدّلت بالنوم السّهر
قلت مهلا إنها جنّيّة
إن نخالطها تفز منها بشرّ
/ فغنّتاه جميعا، و اختلفنا في تفضيلهما، ففضّل
كلّ فريق منّا إحداهما، فرضينا جميعا بحكمك، فاحكم بيننا و بينهما. قال: فوجم
ساعة- و أهل الحجاز إذا أرادوا أن يحكموا تأمّلوا ساعة ثم حكموا، فاذا حكم المحكّم
مضى حكمه كائنا ما كان، ففضّل من فضّله و أسقط من أسقطه، إذا تراضى الخصمان به-
فكره الأفلح أن يرضي قوما و يسخط آخرين، فقال لسندة [2]: صفهما أنت لي كيف كانتا
إذ غنّتاه و اشرح لي مذهبهما فيه كما سمعت، و أنا أحكم بعد ذلك. فقال: سندة [2]
أمّا جارية الحبطيين [4]، فإنها كانت تلوك لحنه كما يلوك الفرس العتيق لجامه، ثم
تلقيه في هامة لدنة ثم تخرجه من منخر أغنّ [5]، و اللّه ما ابتدأته فتوسّطته و أنا
أعقل، و لا فرغت منه فأفقت إلا و أنا أظنّ أنّي رأيته في نومي. و أما صفراء
العلقميّين، فإنها أحسنهما حلقا، و أصحّهما صوتا، و ألينهما تثنّيا، و اللّه ما
سمعها أحد قطّ فانتفع بنفسه و لا دينه./ هذا ما عندي، فاحكم أنت يا أخا بني مخزوم.
فقال: قد حكمت بأنهما بمنزلة العينين في الرأس، فبأيّهما نظرت أبصرت، و لو كان في
الدنيا من عبيد بن سريج خلف لكانتا. قال: فانصرفوا جميعا راضين بحكمه.
ثناء جرير
المدينيّ على ابن سريج
أخبرني الحسين
عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن سلّام قال:
سألت جريرا
المدينيّ [6] عن ابن سريج، فقال: أتذكره ويحك باسمه، و لا تقول: سيّد من غنّى و
واحد من ترنّم!
[1]
في ح، ر: «الحسين» و هو تحريف؛ إذ هو الحسن بن عليّ الخفاف، و قد تقدّم كثيرا أنه
يروي عن محمد بن القاسم بن مهرويه.