و يقال: إنه لم يدع طبيبا حاذقا على مرور السنين إلا سأله عن سببه
فلا يجد عنده علما و لا دواء. فلما كان قبل فالجه [1] بسنوات ذهبت عنه العادة في
الحمص فصار يأكله و لا يضرّه، و بقيت عليه عادة الفلفل.
اتصاله
بالوزير المهلبيّ
كان أبو الفرج
منقطعا إلى الوزير المهلبيّ- و هو الحسن بن محمد بن هارون من ولد المهلّب بن أبي
صفرة و وزير معز الدولة بن بويه الديلمي- و من ندمائه الخصيصين به؛ و له فيه غرر و
مدائح. و مع ما كان يصنعه الوزير بأبي الفرج لم يخل من هجوه، قال فيه:
و حدّث أبو
الفرج عن نفسه قال: سكر الوزير المهلبيّ ليلة و لم يبق بحضرته من ندمائه غيري فقال
لي: يا أبا الفرج، أنا أعلم أنك تهجوني سرّا، فاهجني الساعة جهرا، فقلت: اللّه
اللّه أيها الوزير فيّ! إن كنت قد مللتني انقطعت، و إن كنت تؤثر قتلي، فبالسيف إذا
شئت؛ قال: دع ذا، لا بدّ أن تهجوني، و كنت قد سكرت فقلت:
أير بغل بلولب
فقال في الحال
مجيزا:
في حر امّ المهلّبي
هات مصراعا آخر؛
فقلت: الطلاق لازم للأصفهانيّ إن زاد على هذا و إن كان عنده زيادة.
قال الرئيس أبو
الحسين المهلبيّ: و حدّثني جدّي، و سمعت هذا الخبر من غيره لأنه متفاوض متعاود، أن
أبا الفرج كان جالسا في بعض الأيام على مائدة أبي محمد المهلبيّ فقدّمت سكباجة [4]
وافقت من أبي الفرج سعلة فبدرت من فمه قطعة من بلغم فسقطت وسط الغضارة [5]، فتقدّم
أبو محمد برفعها، و قال: هاتوا من هذا اللون في غير هذه الصحفة؛ و لم يبن في وجهه
إنكار و لا استكراه، و لا داخل أبا الفرج في هذه الحال استحياء و لا انقباض.
هذا إلى ما
يجري هذا المجرى على مضيّ الأيام. و كان أبو محمد عزوف [6] النفس بعيدا من الصبر
على مثل هذه الأسباب، إلا أنه كان يتكلف احتمالها لورودها من أبي الفرج. و كان من
ظرفه في فعله و نظافته في مأكله أنه كان إذا
[3] نقل ابن
خلكان في كتابه «وفيات الأعيان» (طبع بولاق ج 1 ص 50): أن الشيخ تاج الدين الكندي
روى للمتنبي هذين البيتين بالإسناد الصحيح المتصل به، و قال ابن خلكان: إنهما لا
يوجدان في «ديوانه». و نقل ابن شاكر في «عيون التواريخ» كلام ابن خلكان ثم قال: و
الصحيح أن هذين البيتين لأبي الفرج الأصبهاني.
[4] قال في
«شرح القاموس» (مادة سكبج): السكباج بالكسر: معرب سركه باچه، و هو لحم يطبخ بخل. و
في كتاب «الأطعمة» الفتوغرافي المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 51 علوم معاشية
في وصف صنع هذا الطعام ما نصه: «يؤخذ من اللحم قدر الحاجة و يقطع من الأوساط و
يغسل نظيفا و يضاف إليه حوائجه مثل الجوز و البصل و الكراث و شيء من اللفت و
يعدّل بالخل و الدبس و يصبغ بالزعفران و يعدل ملحه و أبازيره و يغطى رأس القدر و
يجعل في التنور طول الليل على نار معتدلة إلى بكرة ثم يرفع».
[5] عبارة
«اللسان»: «الغضار: الطين الحرّ. ابن سيده و غيره- الغضارة: الطين الحرّ. و قيل
الطين اللازب الأخضر و الغضار: الصحفة المتخذة منه».