اسم الکتاب : معجم المصطلحات البلاغية و تطورها المؤلف : احمد مطلوب الجزء : 1 صفحة : 55
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا
مِنْ ضَرِيعٍ[1]، و الضريع نبت و هو يبيس الشبرق، و لا تقربه الابل أو الدواب لخبثه، و
المعنى ليس لهم طعام أصلا، لأنّ الضريع ليس بطعام البهائم فضلا عن الانس.
و من ذلك قول بعضهم:
و
تفرّدوا بالمكرمات فلم يكن
لسواهم
منها سوى الحرمان
و المراد نفي المكرمات عن سواهم
لأنّه إذا كان لهم الحرمان من المكرمات فمالهم منها شي البتة.
الخامس: ليس مما تقدم بشيء كقوله
تعالى:
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ
أَذِنْتَ لَهُمْ[2] و المعنى المراد من هذا الكلام أنّك أخطأت و بئسما فعلت، و قوله:
لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ بيان لما كنى عنه بالعفو أي مالك
أذنت لهم و هل أستأنيت؟ فذكر العفو دليل على الذنب و رادف له و إن لم يذكره.
و من ذلك قول كثيّر:
وددت
و ما تغني الودادة أنني
بما
في ضمير الحاجبية عالم
فان
كان خيرا سرّني و علمته
و
إن كان شرا لم تلمني اللوائم
فان المراد من قوله «لم تلمني» أني أهجرها فأضرب عن ذلك جانبا
و لم يذكر اللفظ المختص به و لكنه ذكر ما هو دليل عليه و رادف له.
و رجع المصري الى ما بدأه قدامة و
نقل تعريفه و بعض أمثلته[3]، و قرّق الحموي بين الإرداف و
الكناية و قال: «قالوا: إنه هو و الكناية شيء واحد.
قلت: إذ كان الأمر كذلك كان الواجب
اختصارهما، و انّما أئمة البديع كقدامة و الحاتمي و الرماني قالوا إنّ الفرق
بينهما ظاهر. و الإرداف هو أن يريد المتكلم معنى فلا يعبر عنه بلفظه الموضوع له بل
يعبر عنه بلفظ هو رديفه و تابعه كقوله تعالى:
جلست على المكان، فعدل عن اللفظ
الخاص بالمعنى الى لفظ هو رديفه، و إنّما عدل عن لفظ الحقيقة لما في الاستواء الذي
هو لفظ الإرداف من الإشعار بجلوس متمكن لا زيغ فيه و لا ميل. و هذا لا يحصل من لفظ
«جلست» و «قعدت». و
من الامثلة الشعرية على الإرداف قول أبي عبادة البحتري يصف طعنة:
و الفرق بين الإرداف و بين الكناية
أنّ الإرداف قد تقرر أنّه عبارة عن تبديل الكلمة بردفها، و الكناية هي العدول عن
التصريح بذكر الشيء الى ما يلزم؛ لأنّ الإرداف ليس فيه انتقال من لازم الى ملزوم،
و المراد بذلك انتقال المذكور الى المتروك كما يقال: «فلان كثير الرماد» و مراده نقله الى ملزومه و هي كثرة الطبخ للأضياف»[6]. و يبدو
أنّ هذا التمييز لم يقع إلا بعد أن خاض السكاكي و شراح التلخيص في مباحث البلاغة
التي ربطوها بالمنطق، و لذلك فرّق السيوطي مثل ذلك التفريق و قال: «قال بعضهم: و الفرق بين الكناية و
الإرداف أنّ الكناية انتقال من لازم الى ملزوم، و الإرداف من مذكور الى متروك»[7]. و ذكر
المدني أنّه و الكناية شي واحد عند علماء البيان، غير أنّ أئمة البديع فرقوا
بينهما[8].