و قد بحث الاوائل هذا الفن و عقد
العسكري فصلا باسم «المضاعفة» قال: «هو أن يتضمن الكلام معنيين:
معنى مصرح به و معنى كالمشار اليه»[2]. و لكن
البلاغيين الآخرين عقدوا بابا باسم «الادماج»؛ و عدّه ابن رشيق من الاستطراد، و قال: «و من الاستطراد نوع يسمى الادماج»[3]. و عقد له ابن منقذ بابا سماه «باب التعليق و الادماج» و قال عنه: «هو أن تعلق مدحا بمدح و هجوا بهجو و
معنى بمعنى»[4].
و لكنّ المصري فرّق بين هذين الفنين فقال: «و الفرق بين التعليق و الادماج أنّ التعليق يصرح فيه بالمعنيين
المقصودين على شدة اتحادهما، و الادماج يصرح فيه بمعنى غير مقصود قد أدمج فيه
المعنى المقصود»[5].
و كان قد عرّف التعليق بقوله: «هو أن يأتي المتكلم بمعنى في غرض من
أغراض الشعر ثم يعلّق به معنى آخر من ذلك الغرض يقتضي زيادة معنى من معاني ذلك
الفن كمن يروم مدحا لانسان بالكرم فيعلق بالكرم شيئا يدلّ على الشجاعة بحيث لو
أراد أن يخلص ذكر الشجاعة من الكرم لما قدر»[6]. كقوله تعالى:أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ[7]، فانه- سبحانه و تعالى- لو اقتصر على
وصفهم بالذل على المؤمنين لاحتمل أن يتوهم ضعيف الفهم أنّ ذلهم عجز و ضعف، فنفى
ذلك عنهم و كمّل المدح لهم بذكر عزّهم على الكافرين ليعلم أنّ ذلهم للمؤمنين عن
تواضع للّه- سبحانه- لا عن ضعف و لا عجز بلفظ اقتضت البلاغة الاتيان به ليتم بديع
اللفظ كما تمّ المدح، فحصل في هذه الألفاظ الاحتراس مدمجا في المطابقة و ذلك تبع
للتعليق الذي هو المطلوب من الكلام.
و منه قول بعضهم:
أترى
القاضي أعمى
أم
تراه يتعامى
سرق
العيد كأنّ العي
د
أموال اليتامى
فعلق خيانة القاضي في أموال
اليتامى بما قدمه من خيانته في أمر العيد برابطة التشبيه.
و عرّف الادماج بقوله: «هو أن يدمج المتكلم غرضا له في ضمن
معنى قد نحاه من جملة المعاني ليوهم السامع أنّه لم يقصده، و إنما عرض في كلامه
لتتمة معناه الذي قصد اليه»[8]. كقوله تعالى:لَهُ الْحَمْدُ فِي
الْأُولى وَ الْآخِرَةِ[9]، فان هذه الجملة أدمج فيها المبالغة
في الحمد ضمن المطابقة إذ أفرد نفسه- سبحانه- بالحمد حيث لا يحمد سواه.