responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معجم المصطلحات البلاغية و تطورها المؤلف : احمد مطلوب    الجزء : 1  صفحة : 434

بالتسمية لقربها من مطابقة المسمى لأنّها مصدر ورّيت تورية إذا سترته و أظهرت غيره، كأن المتكلم يجعله وراءه بحيث لا يظهر [1]، و ذهب الى مثل ذلك المدني فقال: «التورية أقرب اسم سمي به هذا النوع لمطابقته المسمى، لأنّه مصدر ورّيت الحديث، إذا أخفيته و أظهرت غيره» [2]

و التورية أن يذكر المتكلم لفظا مفردا له معنيان حقيقيان أو حقيقة و مجاز، أحدهما قريب و دلالة اللفظ عليه ظاهرة، و الآخر بعيد و دلالة اللفظ عليه خفية، فيريد المتكلم المعنى البعيد و يورّي عنه بالمعنى القريب فيتوهم السامع مع أول وهلة أنّه يريد القريب و ليس كذلك، و لذلك سمّي هذا الفن إيهاما.

و لم يكن المتقدمون يعنون بهذا النوع كثيرا و لكنّ المتأخرين شغفوا به حبا و أكثروا منه و أصبح سمة في أشعارهم، و قد أشار الحموي الى ذلك بقوله: «لأنّ هذا النوع- أعني التورية- ما تنبه لمحاسنه إلّا من تأخّر من حذّاق الشعراء و أعيان الكتاب، و لعمري إنّهم بذلوا الطاقة في حسن سلوك الأدب الى أن دخلوا اليه من باب، فإنّ التورية من أعلى فنون الأدب و أعلاها رتبة و سحرها ينفث في القلوب و يفتح لها أبواب عطف و محبة، و ما أبرز شمسها من غيوم النقد إلا كل ضامر مهزول، و لا أحرز قصبات سبقها من المتأخرين غير الفحول» [3]. و ذكر أنّ المتنبي أول من كشف غطاءها و جلا ظلمة أشكالها بقوله:

برغم شيب فارق السّيف كفّه‌

و كانا على العلّات يصطحبان‌

كأنّ رقاب الناس قالت لسيفه‌

رفيقك قيسيّ و أنت يماني‌

فهو يقول: إنّ كفّ شبيب و سيفه متنافران لا يجتمعان، لأنّ شبيبا كان قيسيا و السيف يقال له يماني، فورّى به عن الرجل المنسوب الى اليمن، و معلوم ما بين القيسيين و اليمانيين من التنافر.

و لكنّ المتقدمين أشاروا اليها و إن لم يعنوا بها كالجاحظ الذي أراد بها التغطية و استعمال الحيلة [4]. و تحدث عنها ابن رشيق في باب الاشارة و قال إنّ من أنواعها التورية [5] كقول عليّة بنت المهدي في طلّ الخادم:

أيا سرحة البستان طال تشوّقي‌

فهل لي الى ظل اليك سبيل‌

متى يشتفي من ليس يرجى خروجه‌

و ليس لمن يهوى اليه دخول‌

فورّت ب «ظلّ» عن «طلّ». و التورية عند ابن رشيق مثل الكناية و ذلك أنّ الشي‌ء لا يذكر باسمه و إنما يكنّى عنه بشجرة أو شاة أو بيضة أو مهرة، كقول المسيب بن علس:

دعا شجر الأرض داعيهم‌

لينصره السدر و الأثأب‌ [6]

فكنّى بالشجر عن الناس.

و لعلّ تعريف ابن منقذ أقرب الى المعنى الاصطلاحيّ فقد قال: «هي أن تكون الكلمة بمعنيين فتريد أحدهما فتورّي عنه بالآخر» [7].

و أقرب من ذلك تعريف المصري و هو: «أن تكون الكلمة تحتمل معنيين فيستعمل المتكلم أحد احتماليها و يهمل الآخر، و مراده ما أهمله لا ما استعمله» [8].


[1] خزانة الادب ص 239.

[2] أنوار الربيع ج 5 ص 5.

[3] خزانة ص 239.

[4] الحيوان ج 5 ص 277، 280.

[5] العمدة ج 1 ص 311.

[6] السدر: شجر النبق. الأثأب: شجر ينبت في بطون الأودية بالبادية، و هو على ضرب التين ينبت ناعما كأنه على شاطئ نهر و هو بعيد من الماء.

[7] البديع في نقد الشعر ص 60.

[8] تحرير التحبير ص 268، بديع القرآن ص 102، و ينظر المصباح ص 119، جوهر الكنز ص 111، شرح الكافية ص 35.

اسم الکتاب : معجم المصطلحات البلاغية و تطورها المؤلف : احمد مطلوب    الجزء : 1  صفحة : 434
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست