اسم الکتاب : معجم المصطلحات البلاغية و تطورها المؤلف : احمد مطلوب الجزء : 1 صفحة : 194
الدمع و سيلانه قليلا كان أو
كثيرا. و انسجم الماء و الدمع فهو منسجم إذا انسجم أي انصب، و الانسجام هو
الانصباب[1].
قال ابن منقذ: «الانسجام أن يأتي كلام المتكلم شعرا من غير
أن يقصد اليه و هو يدل على فور الطبع و الغريزة»[2].
و قال المصري: «هو أن يأتي الكلام متحدرا كتحدر الماء
المنسجم سهولة سبك و عذوبة ألفاظ حتى يكون للجملة من المنثور و البيت من الموزون
وقع في النفوس و تأثير في القلوب ما ليس لغيره مع خلوه من البديع و بعده عن
التصنيع. و أكثر ما يقع الانسجام غير مقصود كمثل الكلام المتزن الذي تأتي به
الفصاحة في ضمن النثر عفوا كمثل أشطار و أنصاف و أبيات وقعت في أثناء الكتاب
العزيز»[3]
و الانسجام على ضربين: ضرب يأتي مع
البديع الذي لم يقصد كقوله تعالى:إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ
مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ[4].
فقد وقع فيه تعطف في قوله:إِلَى اللَّهِ ووَ أَعْلَمُ مِنَ
اللَّهِ الى
جانب ما فيه من سلامة و انسجام.
و ضرب لا بديع فيه كقوله تعالى:خُذِ الْعَفْوَ وَ
أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ[5]. و أكثر آي القرآن الكريم من شواهد
هذا الباب[6].
و يختلف كلام المصري عن كلام سابقه، فالأول يريد به مجيء الجملة
الموزونة أو الشطر أو البيت في الكلام، و هو ما ذكره المصري في آخر تعريفه، أما
أول كلامه فيريد به الانسجام بمعناه العام و هو أن يتحدر الكلام تحدر الماء
المنسجم سهولة سبك و عذوبة لفظ. و الى ذلك ذهب ابن قيم الجوزية و الحموي و السيوطي
و المدني[7].
و من الانسجام الذي وقع في الاشعار
المقصودة قول أبي تمام:
إن
شئت ألا ترى صبرا لمصطبر
فانظر
على أيّ حال أصبح الطّلل
و قوله:
نقّل
فؤادك حيث شئت من الهوى
ما
الحبّ إلّا للحبيب الأوّل
و قول البحتري:
فيا
لائمي في عبرة قد سفحتها
لبين
و أخرى قبلها لتجنّب
تحاول
مني شيمة غير شيمتي
و
تطلب مني مذهبا غير مذهبي
و قد يحصل الانسجام مع البديع الذي
أتت به القريحة عفوا من غير استدعاء و لا كلفة كبيت أبي تمام الأول:
«إن شئت ...» قال
المصري: «فأنت ترى انسجام هذا الكلام مع كون
البيت قد وقع فيه المبالغة و التعليق و الإشارة فانّه علق عدم صبر المصطبرين برؤية
الطلل على تلك الحالة، و أشار بقوله: «على أي حال أصبح الطلل» الى أحوال كثيرة لو عبّر عنها بلفظها لاحتاجت الى
ألفاظ كثيرة. و علق أحد الأمرين بالآخر إذ جاء بلفظ الشرط و المشروط»[8].