و لكنّ هذا اللون من الاستعارات
ليس محظورا على الشاعر إذا كان مثل المتنبي أو أبي تمام.
الاقتباس:
يقال: قبست منه نارا أقبس قبسا
فأقبسني أي:
أعطاني منه قبسا، و كذلك اقتبست
منه نارا و اقتبست منه علما أيضا أي: استفدته[6].
فالاقتباس هو الأخذ و الاستفادة، و
قد عرف هذا اللون من الأخذ منذ عهد مبكر و كانوا يسمون الخطبة التي لا توشّح
بالقرآن الكريم بتراء. و روى الجاحظ عن عمران بن حطان انه قال: «إنّ أول خطبة خطبتها عند زياد- أو عند
ابن زياد- فاعجب بها الناس و شهدها عمي و أبي، ثم اني مررت ببعض المجالس فسمعت
رجلا يقول لبعضهم: هذا الفتى أخطب العرب لو كان في خطبته شيء من القرآن»[7].
و قد عرّف الرازي الاقتباس بقوله: «هو أن تدرج كلمة من القرآن أو آية منه
في الكلام تزيينا لنظامه و تضخيما لشأنه»[8].
و قال الحلبي: «هو أن يضمن الكلام شيئا من القرآن أو
الحديث و لا ينبّه عليه للعلم به»[9]، و ذكر مثل ذلك النويري[10].
و قال ابن قيم الجوزية: «و يسمّى التضمين، و هو أن يأخذ
المتكلم كلاما من كلام غيره يدرجه في لفظه لتأكيد المعنى الذي أتى به أو ترتيب،
فان كان كلاما كثيرا أو بيتا من الشعر فهو تضمين و إن كان كلاما قليلا أو نصف بيت
فهو إيداع»[11] و
عرّفه القزويني بمثل ما عرّفه الحلبي و النويري و أضاف قائلا: «لا على أنّه منه»[12]. كقول
الحريري: «فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب حتى
أنشد فاغرب»، و الاقتباس من الآية السابعة و السبعين من سورة النحل و هي:وَ ما أَمْرُ
السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ.