اعلم أنّ العلماء اختلفوا في هذه المسألة على قولين :
الأوّل : أنّ الله تعالى قادر بالمعنى المذكور. وهو مختار المصنّف وسائر المتكلّمين ، بل قاطبة الملّيّين. [١]
الثاني : أنّ الله تعالى فاعل على وجه الإيجاب ، بمعنى امتناع انفكاك ذاته تعالى عن إيجاد العالم مطلقا في الأزل ؛ لوجوب إيجاد العالم مع اعتبار الإرادة التي هي عين الذات وإن أمكن إيجاده وعدم إيجاده بالنسبة إلى الذات بدون اعتبار الإرادة ، فيكون الإيجاب بمعنى الموجبيّة بكسر الجيم. وهو مختار الحكماء ، [٢] مع احتمال القول بالموجبيّة بفتح الجيم ، فقد قال الشارح القوشجي : « ذهب الملّيّون قاطبة إلى أنّ تأثير الواجب تعالى في العالم بالقدرة والاختيار على معنى أنّه يصحّ منه فعل العالم وتركه. وذهب الفلاسفة إلى أنّ تأثيره تعالى فيه بالإيجاب ». [٣]
نعم ، أفاد الفاضل اللاهيجي أنّ الإيجاب الذي قال به الحكماء هو بمعنى دوام الفعل وقدم الأثر بسبب دوام المبادئ ، كالعلم والإرادة. وأمّا الإيجاب بمعنى عدم إمكان الترك عنه تعالى بالنظر إلى ذاته تعالى فلم يقل به أحد ، [٤] بمعنى أنّ الكلام في عدم الإمكان الوقوعي لانفكاك الفعل ، لا الإمكان الذاتي ، فيكون النزاع في ثبوت الموجبيّة بكسر الجيم دائما كما يقول الحكماء ، وعدمه كما هو مختار المتكلّمين ، لا الموجبيّة بفتح الجيم. وأمّا الموجبيّة ـ بكسر الجيم ـ في وقت ما كما اختاره المصنّف [٥] ومن يحذو
[١] « المغني » ٥ : ٢٠٤ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٩ ؛ « نقد المحصّل » : ٢٦٩ ـ ٢٧٧ ؛ « قواعد المرام » : ٨٢ ـ ٨٥ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦٤ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٢ ـ ١٨٧. [٢] انظر المصادر السابقة مضافا إلى « الشفاء » الإلهيات : ١٧٠ ـ ١٨٥ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « التحصيل » : ٤٧٣ ؛ « المباحث المشرقية » ٢ : ٥١٧ ؛ « الأسفار الأربعة » ٤ : ١١١ ـ ١١٣ ؛ « شرح المنظومة » قسم الحكمة : ١٧٧ ـ ١٧٨. [٣] « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠. [٤] « شوارق الإلهام » : ٥٠٢. [٥] « كشف المراد » ٣٠٥ و ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ؛ « شوارق الإلهام » ٥٠٣.