يختصّ الوجود به ، ولا علمه بالعدم إلى حضور الآن والزمان الذي يختصّ به العدم ، فلا مدخل في علمه تعالى ماض ولا مستقبل ولا حال.
قال الشيخ في إلهيّات الشفاء : ولأنّه مبدأ كلّ وجود ، فيعقل من ذاته ما هو مبدأ له ، وهو مبدأ للوجودات [١] التامّة بأعيانها والوجودات [٢] الكائنة الفاسدة بأنواعها أوّلا ، وبتوسّط ذلك بأشخاصها.
ومن وجه آخر لا يجوز أن يكون عاقلا لهذه المتغيّرات مع تغيّرها من حيث هي متغيّرة عقلا زمانيّا مشخّصا ، بل على نحو آخر نبيّنه ؛ فإنّه لا يجوز أن يكون تارة يعقل عقلا زمانيّا منها أنّها موجودة غير معدومة ، وتارة يعقل عقلا زمانيّا أنّها معدومة غير موجودة ، فيكون لكلّ واحد من الأمرين صورة عقليّة ولا واحدة من الصورتين تبقى مع الثانية ، فيكون واجب الوجود متغيّر الذات.
ثمّ الفاسدات إن عقلت بالماهيّة المجرّدة [٣] وبما يتبعها ممّا لا يتشخّص ، لم تعقل بما هي فاسدة.
وإن أدركت بما هي مقارنة لمادّة وعوارض مادّة ووقت وتشخّص وتركيب ، لم تكن معقولة ، بل هي محسوسة أو متخيّلة ، ونحن قد بيّنّا في كتب أخرى أنّ كلّ صورة لمحسوس وكلّ صورة خياليّة فإنّما تدرك من حيث هي محسوسة ومتخيّلة بآلة متجزّئة ، وكما أنّ إثبات كثير من الأفاعيل للواجب الوجود نقص له ، كذلك إثبات كثير من التعقّلات ، بل الواجب الوجود إنّما يعقل كلّ شيء على نحو كلّيّ ، ومع ذلك فلا يعزب عنه شيء شخصيّ ، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض. وهذا من العجائب التي يحوج تصوّرها إلى لطف قريحة [٤].
ثمّ أشار إلى بيان النحو الآخر الذي عليه يجب أن يكون تعقّله لهذه المتغيّرات ،
[١] في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « الموجودات ». [٢] في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « الموجودات ». [٣] في « شوارق الإلهام » : « المجرّدة بما ». [٤] « الشفاء » الإلهيّات : ٣٥٩ ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.