والحاصل : أنّه لمّا كان امتناع الإدراك في المثال المذكور ناشئا من جانب العالم ؛ لضعف قوّته ، فحيث لا ضعف أمكن الإدراك ، وامتناع الإدراك في الزمان ليس من جانب العالم ليختلف القويّ والضعيف في ذلك ، بل من جانب المعلوم ؛ لأنّه ينعدم شيئا فشيئا ، والمعدوم غير قابل للحضور ، فلا محالة لا يختلف القويّ والضعيف في ذلك.
ويتفرّع على ذلك أنّه لو كان ما ظنّوه حقّا ، لما احتيج إلى الفرق بين المعلولات القريبة والبعيدة في تعلّق العلم الحضوريّ بها بكون العلم بالقريبة بذواتها وبالبعيدة بصورها القائمة بالقريبة ؛ لكون الجميع على السواء في الحضور بالقياس إليه تعالى.
لكن كلام شرح رسالة العلم [١] وشرح الإشارات [٢] صريح في الفرق بين القبيلين ، وكذا كلام حكمة الإشراق [٣] ، لكن كلام التلويحات ـ أعني قوله : وإدراك أعداد الوجود نفس الحضور له والتسلّط من غير صورة ومثال [٤] ـ ممّا يوهم الابتناء على الظنّ المذكور.
والمراد أنّه كذلك عند وجود تلك الأعداد وفي أوقات وجوداتها وإن كانت قبل أوقات وجوداتها معلومة بصورها المرتسمة في المدبّرات الفلكيّة ، كما يدلّ عليه كلامه في حكمة الإشراق [٥] على ما نقلنا ، فتفصيل مذهبهم أنّ علمه تعالى بمعلولاته القديمة ـ سواء كانت مجرّدة أو مادّيّة ـ إنّما هو بحضور ذواتها عنده تعالى أزلا وأبدا ، وبمعلولاته [٦] الحادثة بحضور ذواتها عنده في أوقات وجودها ، وأمّا قبل أوقات وجودها ، فبصورها الحاصلة في المعلولات القديمة ؛ فإنّ الحاصل في
[١] راجع ص ١٦٤ ـ ١٦٦ من هذا الجزء. [٢] راجع ص ١٦٤ ـ ١٦٦ من هذا الجزء. [٣] راجع ص ١٦٤ ـ ١٦٦ من هذا الجزء. [٤] « التلويحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ١ : ٧٣. [٥] راجع ص ١٦٤ من هذا الجزء. [٦] في « شوارق الإلهام » : « وبمعلوماته ».