قال بعض الفضلاء المعاصرين هنا: لو قال المصنّف:
أمكن بالإمكان الخاصّ، كان أولى لأنّ العفو جائز لا واجب، و المناسب للجواز هو
الإمكان الخاصّ أي الذي ليس بضروريّ الوجود و لا العدم.
قلت: العفو و إن كان جائزا في الأصل لكن قد
يلحقه الوجوب لوجهين:
الأوّل: أنّ من أسمائه تعالى
العفوّ الغفور، و لا يتحقّق معناهما إلّا بالعفو عن العاصي، خرج الكافر بالإجماع
فبقي ما عداه، و هو المطلوب.
الثاني: ما أشار إليه المصنّف،
و هو أنّه تعالى وعد بالعفو، و خلف الوعد قبيح فيكون الوفاء واجبا، فعلى هذين يكون
إيراد الإمكان العامّ أولى.
و إن كان الثاني أو إنّه لم يعف عن القسم
الأوّل، فلا يخلو إمّا أن يسقط أحد الاستحقاقين بالآخر أو لا. و الثاني إمّا أن
يثاب ثمّ يعاقب أو بالعكس، أي يعاقب ثمّ يثاب. فالأقسام ثلاثة: فالأوّل هو الإحباط[1]، و يجيء بيان
بطلانه. و الثاني أيضا باطل لأنّ الإجماع حاصل على أنّ من دخل الجنّة لا يخرج
منها، فتعيّن الثالث، فيكون عقابه منقطعا و هو المطلوب.
و ورد في النقل صحّة ذلك كقوله صلى اللّه عليه و
آله: «يخرجون من النار و هم كالحمم أو الفحم، فيراهم أهل الجنّة فيقولون:
هؤلاء جهنّميّون! فيؤمر بهم فيغمسون في عين الحيوان، فيخرجون و وجوههم كالبدر»[2].
[الإحباط و الموازنة و بطلانهما]
قال: حلّ شكّ- المذهب الأوّل و هو إسقاط أحد
الاستحقاقين بالآخر مذهب الوعيديّة، و هم لا يجوّزون العفو إلّا في الصغائر. فمذهب
أبي عليّ[3] أنّ الاستحقاق
[1]الإحباط هو خروج فاعل الطاعة عن استحقاق
المدح و الثواب إلى استحقاق الذمّ و العقاب، و التكفير هو خروج فاعل المعصية عن
استحقاق الذمّ و العقاب إلى استحقاق المدح و الثواب. إرشاد الطالبين: 421.
و الاحباط في اصطلاح المتكلّمين: خروج الثواب
و المدح اللّذين يستحقّهما العبد المطيع عن كونهما مستحقّين بذمّ و عقاب أكبر
منهما لفاعل الطاعة. هامش أوائل المقالات: 99.
[2]بهذا المضمون ينظر: مسند أحمد 3: 77،
90، 94، 125، 183، 391. و من طريق الخاصّة، ينظر: البحار 8: 361.
[3]محمّد بن عبد الوهّاب بن سلام الجبائيّ،
أبو عليّ. من أئمّة المعتزلة و رئيس علماء الكلام في عصره، و إليه نسبة الطائفة
الجبائيّة. مات سنة 303، العبر 1: 445، شذرات الذهب 2: 241، الأعلام للزركليّ 6:
256.