و هذا التقرير مبنيّ على أنّ العلم حصول صورة
المعلوم في العالم. و للخصم أن يمنع ذلك لجواز أن يكون إضافة بين العالم و المعلوم
بسبب القوّة الغريزيّة التي في القلب المسمّاة بالعقل، و حينئذ جاز أن يكون العالم
بالكلّيّ و البسيط هذا البدن أو أجزاء أصليّة فيه. و أيضا مبنيّ على نفي الجزء
الذي لا يتجزّأ، و الخصم قد أثبته.
و قوله: «فيكون جوهرا عالما»
لمّا أبطل كونه عرضا أو هذا البدن أو شيئا منه قال بذلك، فهو عنده جوهر مجرّد عالم
متعلّق بهذا البدن تعلّق التدبير. و هذا البدن و أجزاؤه آلات له يتصرّف به في
أفعاله، و يسمّى ذلك الجوهر بالروح. قالوا: و إليه الإشارة بقوله تعالى: وَ
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي[1].
[إمكان حشر الأجساد]
قال: مقدّمة- جمع أجزاء بدن الميّت
و تأليفها مثل ما كان، و إعادة روحه المدبّرة إليه يسمّى حشر الأجساد. و هو ممكن،
و اللّه تعالى قادر على كلّ الممكنات و عالم بها، و الجسم قابل للتأليف، فيكون
قادرا عليه.
أقول: حشر الأجساد هو عبارة عن جمع أجزاء
البدن بعد تفرّقها، و تأليفها على النحو الذي كان عليه، و خلق الأعراض التي تشاكله
فيه، و إعادة تعلّق الروح به كما كان أوّلا. و لا شكّ في إمكان ذلك، و إلّا لما
وجد أوّلا. و هذا الإمكان موقوف على مقدّمتين:
إحداهما: كونه قادرا.
و ثانيهما: كونه عالما بالجزئيّات
ليعيد الجزء المعيّن إلى الشخص المعيّن، و قد تقدّم بيان ذلك كلّه. و لكون الإمكان
موقوفا على هاتين المقدّمتين لم يذكر المعاد الجسمانيّ في موضع من القرآن إلّا و
أردفه بذكرهما كما في قوله تعالى: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ
قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ[2].
[الأنبياء أخبروا بحشر الأجساد]
قال: أصل- الأنبياء بأسرهم
أخبروا بحشر الأجساد، و هو موافق للمصلحة
[2]يس/ 78- 79. و هناك آيات اخر نورد بعضا
منها على سبيل المثال لا الحصر: البقرة/ 259، الإسراء/ 99، الكهف/ 48، مريم/ 66-
67، النحل/ 70، الحجّ/ 5- 6، العنكبوت/ 19- 20، الروم/ 54، الأحقاف/ 33.