[1] الجهر و الإخفات حقيقتان متضادتان،- كما صرّح به المصنّف في النّهاية-[1] عرفيتان،
يمتنع تصادقهما في شيء من الأفراد، و لا يحتاج في كشف مدلولهما إلى شيء زائد على
الحوالة على العرف.
و ربّما وقع
في عبارات الفقهاء التنبيه على مدلولهما من غير التزام، لكون ذلك التّنبيه ضابطا،
فتوهم من زعم أنّ مرادهم من ذلك الضّابط أنّ بينهما تصادقا في بعض الأفراد، و
بطلانه معلوم، فإنّ تعيّن الجهر في بعض الصلوات و الإخفات في بعض آخر بحيث لا يجزئ
في كل من البعضين إلّا ما عيّن له يقتضي عدم التصادق.
و ما وقع في
عبارة المصنّف من قبيل ما ذكرناه، فقوله: (أقل الجهر إسماع القريب تحقيقا أو
تقديرا) يريد بالقريب: من يعد كذلك عرفا و إسماعه تحقيقا، حيث لا مانع له، و
تقديرا مع المانع كصمم أو صوت نحو الماء و الهواء.
و ينبغي أن
يزاد فيه قيد آخر و هو تسميته جهرا عرفا، و ذلك بأن يتضمن إظهار الصوت على الوجه
المعهود.
و أكثر
الجهر المجزئ في القراءة ما لم يبلغ العلو المفرط، و حدّ الإخفات إسماع نفسه
تحقيقا مع عدم المانع و تقديرا معه.
و لا بدّ من
زيادة قيد آخر، و هو تسميته مع ذلك إخفاتا بأن يتضمّن إخفاء الصوت و همسه، و إلّا
لصدق هذا الحدّ على الجهر، و ليس المراد إسماع نفسه خاصّة لأنّ بعض الإخفات قد
يسمعه القريب و لا يخرج بذلك عن كونه إخفاتا، و لا يجزئ في الإخفات مثل حديث
النّفس، و رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام بذلك محمولة على ما إذا كان
في موضع تقيّة[2]، كما دلّت عليه مرسلة محمّد بن أبي حمزة، عنه عليه
السّلام[3]، و نبّه على ما قلناه رواية زرارة، عن الباقر عليه
السّلام قال: «لا يكتب من القراءة و الدعاء الّا ما أسمع نفسه»[4].