responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري    الجزء : 1  صفحة : 72

فأعمل الفعل الأول، و لو أعمل الثاني لنصب «قليلا» و ذلك لم يروه أحد، و قال رجل من بني أسد:

[40]

[44] فردّ على الفؤاد هوى عميدا

 

و سوئل لو يبين لنا السّؤالا

 

- و مثلهما قول الحماسي أيضا، و هو قريط بن أنيف أحد بني العنبر:

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي‌

 

بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

 

ثم قال بعد ذلك:

لكن قومي و إن كانوا ذوي عدد

 

ليسوا من الشر في شي‌ء و إن هاهنا

 

و ذلك أن معنى هذا البيت الأخير: لكنني لست من مازن، و نظير هذا قول اللّه تعالى: وَ لَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَ لَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ، وَ لكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ‌ و من هنا تعلم أن قول الشلوبين و ابن هشام الخضراوي: إن «لو» لا يدل على امتناع شرط و لا جوابه و لكنه يدل على التعليق في الماضي- كلام غير مستقيم، و الاستشهاد بالبيت في قوله «كفاني و لم أطلب قليل من المال» فإن المؤلف نقل عن الكوفيين أنهم زعموا أن هذا البيت من باب التنازع لتقدم فعلين على اسم واحد، و قد أعمل الشاعر أول الفعلين- و هو قوله «كفاني»- في الاسم المتأخر فرفعه به، و الدليل على ذلك أنه لو أعمل الثاني و هو أطلب لنصب الاسم به؛ لأنه يطلب مفعولا، و هذا الكلام غير صحيح؛ لأن شرط التنازع أن يكون كل واحد من العاملين المتقدمين طالبا للمعمول مع صحة المعنى على فرض عمل أيهما فيه، و في هذا البيت لا يتم ذلك؛ فإنك لو قلت: لو ثبت كون سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال و لم أطلب ذلك القليل، لكان كلاما متناقضا لا محصول له، و إنما يتم معنى بيت امرى‌ء القيس إذا قدرت لقوله «و لم أطلب» مفعولا يدل عليه البيت بعده، و تقديره «و لم أطلب الملك» و إذا انحل البيت إلى قولك: و لو ثبت كون سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال و لم أطلب الملك، كان كلاما صحيحا مقبولا، و لم أجد من المؤلفين من بين ذلك بيانا شافيا كافيا كابن هشام في كتابه شرح قطر الندى، فارجع إليه إن شئت.

[40] هذان البيتان من كلام المرار الأسدي، و هما من شواهد سيبويه (1/ 40) و الهوى: العشق، و عميد: أي فادح يبهظ صاحبه و يدنفه و يسقمه، فعيل بمعنى فاعل، و أصله قولهم «عمده المرض» أي أضناه و أوجعه، و «نغنى» مضارع «غنى بالمكان» من مثال رضي؛ أي أقام فيه و توطنه، و منه سمي منزل القوم و محل إقامتهم المغنى، و الخرد- بضم الخاء و الراء جميعا- جمع خريدة، و هي المرأة الحيية الطويلة السكوت، أو هي البكر التي لم تمسس، و الخدال- بكسر الخاء- جمع خدلة- بفتح فسكون- و هي الغليظة الساق المستديرتها، و الاستشهاد بالبيتين في قوله «و نرى يقتدننا الخرد الخدالا» حيث كانت هذه العبارة من باب التنازع لتقدم فعلين هما نرى و يقتاد، و تأخر معمول هو الخرد الخدال، و قد أعمل الشاعر الفعل الأول في هذا المعمول بدليل أنه نصبه و أتى بضميره معمولا للفعل الثاني و هو نون النسوة، و لو أنه أعمل الفعل الثاني لقال: نرى يقتادنا الخرد الخدال، فيرفع المعمول على أنه فاعل ليقتاد و يحذف ضميره لكون الأول يطلب معمولا فضلة، و هذا يدل على أن إعمال العامل الأول أولى، و هو مذهب الكوفيين، و الحق أن هذه الشواهد كلها لا تدل على أكثر من أن إعمال العامل الأول جائز، و هو ما لا يختلف فيه أحد، فأما أولويته فلا.

اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري    الجزء : 1  صفحة : 72
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست