اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري الجزء : 1 صفحة : 189
فأضاف المصدر إلى «القواقيز» و هو فاعل فيمن
روى «أفواه» منصوبا، و من روى «أفواه» بالرفع جعله مضافا إلى المفعول، و الشواهد
على هذا النحو كثيرة جدا.
و أما البيت الذي أنشدوه:
* يا أيّها
المائح دلوي دونكا* [143]
فلا حجّة لهم فيه من وجهين؛ أحدهما: أن قوله
«دلوي» ليس هو في موضع نصب، و إنما هو في موضع رفع؛ لأنه خبر مبتدأ مقدّر[1]، و التقدير
فيه: هذا دلوي دونكا. و الثاني: أنّا نسلم[2] أنه في موضع نصب، و
لكنه لا يكون منصوبا بدونك، و إنما هو منصوب بتقدير فعل؛ كأنه قال: خذ دلوي دونك،
و «دونك» مفسر لذلك الفعل المقدر.
و أما قولهم «إنها قامت مقام الفعل فيجوز
تقديم معمولها [102] عليها كالفعل» قلنا: هذا فاسد، و ذلك لأن الفعل[3] الذي قامت
هذه الألفاظ مقامه يستحق في الأصل أن يعمل النصب، و هو متصرف في نفسه فتصرّف عمله،
و أما [هذه] الألفاظ فلا تستحق في الأصل أن تعمل النصب، و إنما أعملت لقيامها
مقام الفعل، و هي غير متصرفة في نفسها؛ فينبغي أن لا يتصرف عملها؛ فوجب أن لا يجوز
تقديم معمولها عليها، و اللّه أعلم.
- مصدرا مضافا إلى فاعله ثم بعد ذلك أتى
بمفعوله، و من رفع فقد جعل الفرع مصدرا مضافا إلى مفعوله ثم أتى بعد ذلك بفاعله، و
كل من الوجهين صحيح من جهة العربية و من جهة المعنى؛ فقد أضيف المصدر إلى فاعله ثم
أتى بمفعوله كثيرا كما في الشواهد السابقة و ما أثرناه معها، و أضيف إلى مفعوله ثم
أتي بفاعله كما في قوله تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فإن الحج مصدر مضاف إلى مفعوله الذي هو البيت و
قد جيء بعده بفاعله و هو قوله سبحانه مَنِ اسْتَطاعَ.
و من الأول:- زيادة على ما أثرناه- قول الشاعر،
و هو الأشجعي:
وعدت و كان
الخلف منك سجية
مواعيد عرقوب
أخاه بيثرب
و قد جاء في القرآن الكريم من ذلك قول اللّه
تعالى: كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ و منه قوله سبحانه:
تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ و من شواهد ذلك في اسم المصدر قول
القطامي:
أكفرا بعد رد
الموت عني
و بعد عطائك
المائة الرتاعا
[1] و يجوز أن يكون مبتدأ خبره الجملة من اسم
الفعل و فاعله المستتر فيه وجوبا، لكن المؤلف لا يجيز هذا الوجه، لأن الإخبار
بالجملة الإنشائية لا يصح عنده؛ لذلك لم يذكر هذا الوجه، و قد نبهناك إلى ذلك في
شرح الشاهد.