اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري الجزء : 1 صفحة : 168
و خلّت عن
أولادها المرضعات
و لم تر عين
لمزن بلالا
بأنّك الرّبيع
و غيث مريع
و قدما هناك
تكون الثّمالا
أراد بأنّك بالتشديد، إلا أن الاستدلال على إعمالها
في المضمر مع التخفيف [91] عندي ضعيف؛ لأن ذلك إنما يجوز في ضرورة الشعر لا في
اختيار الكلام إلا في رواية شاذة ضعيفة غير معروفة فلا يكون فيه حجة.
و أما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم «إنماعملت لشبه الفعل لفظا؛ فإذا خفّفت زال
شبهها به فبطل عملها» قلنا: هذا باطل؛ لأن إن إنما عملت لأنها أشبهت الفعل لفظا و
معنى؛ و ذلك من خمسة أوجه، و قد قدمنا ذكرها في موضعها فإذا خفّفت صارت بمنزلة فعل
حذف منه بعض حروفه، و ذلك لا يبطل عمله، ألا ترى أنك تقول: «عالكلام، و ش الثوب، و ل الأمر» و ما أشبه ذلك، و لا تبطل عمله؛
فكذلك هاهنا.
و أما قولهم «إنّإنّ المشدّدة من عوامل الأسماء، و إن المخفّفة من عوامل الأفعال»
قلنا: هذا الاستدلال ظاهر الاختلال، فإنا إذا قدرنا أنها مخفّفة من الثّقيلة؛ فهي
من عوامل الأسماء، و إذا لم نقدر أنها مخفّفة من الثّقيلة؛ فليست من عوامل
الأسماء، و إن الخفيفة في الأصل غير إن المخفّفة من الثّقيلة؛ لأن تلك الخفيفة من
عوامل الأفعال، و هذه المخفّفة من الثّقيلة من عوامل الأسماء، و لم يقع الكلام في
إن الخفيفة في الأصل، و إنما وقع في إن المخفّفة من الثّقيلة، و قد بيّنا الفرق
بينهما، و اللّه أعلم.
- و إن لم يجر لها ذكر
لانفهام المعنى و سياقته إلى ذهن السامع، و نظيره ما أنشده سيبويه من قول جرير (1/
113 و 201):
هبت جنوبا
فذكرى ما ذكرتكم
عند الصفاة
التي شرقي حورانا
و قوله «وخلت عن أولادها المرضعات» يريد أن الزمان قد اشتد حتى ذهلت كل
مرضعة عن ولدها الذي ترضعه «بأنكربيع» أي أنه كثير النفع و اصل السيب و العطاء بمنزلة الربيع «وغيث مريع» بفتح الميم أو ضمها- أي
مكلىء خصيب «الثمالا» بكسر الثاء المثلثة- هو الذخر و
الغياث. و الاستشهاد فيه بقوله «بأنكربيع» و قوله «وأنك تكون الثمالا» حيث خفف أن المؤكدة، و أعملها في الاسم و الخبر،
و اسمها في الموضعين ضمير مخاطب مذكور، و خبرها في الموضع الأول مفرد و هو قوله
ربيع، و في الموضع الثاني جملة فعلية مؤلفة من تكون و اسمها و خبرها، و ذلك شاذ، و
الكثير المستعمل أن يكون اسمها ضميرا محذوفا؛ لتكون عاملة كلا عاملة، بسبب زوال بعض
وجوه الشبه بينها و بين الفعل بالتخفيف، كما أن الأكثر عند جمهرة العلماء أن يكون
الضمير المحذوف ضمير الشأن، و خالف في هذا ابن مالك فقال «إذاأمكن جعل الضمير ضمير غائب غير الشأن أو ضمير حاضر فهو أولى».
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري الجزء : 1 صفحة : 168