responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري    الجزء : 1  صفحة : 121

وجه الاحتجاج أنه قال «أبيضهم» و إذا جاز ذلك في «أفعلهم» جاز في «ما أفعله و أفعل به» لأنهما بمنزلة واحدة في هذا الباب، و قد قال الشاعر:

[90]

جارية في درعها الفضفاض‌

 

تقطّع الحديث بالإيماض‌

* أبيض من أخت بني أباض*

 

 

 

فقال «أبيض» و هو أفعل من البياض، و إذا جاز ذلك في أفعل من كذا جاز في ما أفعله و أفعل به؛ لأنهما بمنزلة واحدة في هذا الباب، ألا ترى أن ما لا يجوز فيه‌- و قوله «إذا الرجال شتوا» أي صاروا في زمان الشتاء، و الشتاء عندهم هو زمان القحط و الجدب، و فيه يظهر كرم الكرام و بخل البخلاء، و قوله «و اشتد أكلهم» أراد أنه تعسر على أكثرهم الحصول على ما يأكلون، و قوله «فأنت أبيضهم سربال طباخ» معناه أن ثياب طباخك تكون في هذا الوقت بيضاء شديدة البياض نقية من الوضر و دهن اللحم و غيره، يريد أنه لا يطبخ فلا تتدنس ثيابه، و هذه العبارة كناية عن شدة البخل. و الاستشهاد بالبيت في قوله «أبيضهم» حيث اشتق أفعل التفضيل من البياض، و هذا مما يجيزه الكوفيون، و يأباه البصريون، و قد اختلفوا في التعليل للمنع؛ فمنهم من ذهب إلى أن السر في منع صوغ أفعل التفضيل و صيغتي التعجب من الألوان أن الألوان من المعاني اللازمة التي تشبه أن تكون خلقة كاليد و الرجل، و منهم من ذهب إلى أن سبب المنع هو كون أفعال الألوان ليست ثلاثية مجردة. و إنما تأتي أفعال الألوان على أحد مثالين: أولهما أفعل- بتشديد اللام- نحو أبيض و أسود، و الثاني أفعال- بزيادة ألف بعد العين و بتشديد اللام- نحو ادهام و ابياض و اسواد و ما أشبه ذلك.

[90] نسب البغدادي نقلا عن ابن هشام اللخمي (3/ 483) هذا الرجز إلى رؤبة بن العجاج، و قد أنشده رضي الدين في شرح الكافية (2/ 199) و ابن يعيش (847 و 1046) و ابن منظور (ب ى ض) و الميداني في مجمع الأمثال (1/ 81 بتحقيقنا) و لم يعزه أحد منهم إلى قائل معين، و الدرع- بكسر فسكون- القميص، و الفضفاض: الواسع، و يروى بدل البيت الأول:

* جارية في رمضان الماضي*

 

 

 

و معنى قوله «تقطع الحديث بالإيماض» أن القوم إذا كانوا يتحدثون فأومضت تركوا الحديث و اشتغلوا بالنظر إليها لبراعة جمالها، و بنو أباض- بفتح الهمزة- قوم اشتهروا ببياض ألوانهم. و الاستشهاد بالبيت في قوله «أبيض» حيث جاء بأفعل التفضيل من البياض، و هو يشهد للكوفيين الذين يجيزون مجي‌ء أفعل التفضيل و صيغتي التعجب من خصوص البياض و السواد دون سائر الألوان لكونهما أصلي الألوان كلها، و البصريون يمنعون ذلك، و يحكمون على ما جاء من كلام العرب مما ظاهره ذلك بأنه شاذ، أو يكون «أفعل» في مثل قول هذا الراجز صفة مشبهة لا أفعل تفضيل، و قد ذكر ذلك المؤلف و ابن يعيش في الموضعين اللذين أرشدناك إليهما من شرحه على المفصل.

و نظير ذلك قول أبي الطيب المتنبي يذم الشيب:

أبعد بعدت بياضا لا بياض له‌

 

لأنت أسود في عيني من الظلم‌

 

اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري    الجزء : 1  صفحة : 121
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست