اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري الجزء : 1 صفحة : 105
فأميلح: تصغير أملح، و قد جاء ذلك كثيرا في
الشعر وسعة الكلام.
قالوا: و لا يجوز أن يقال «إن فعل التعجب لزم
طريقة واحدة، و ضارع الاسم، فلحقه التصغير» لأنا نقول: هذا ينتقض بليس و عسى
فإنهما لزما طريقة واحدة، و مع هذا لا يجوز تصغيرهما، و أبلغ من هذا النقض و أوكد
مثال «أفعل به» في التعجب فإنه فعل لزم طريقة واحدة، و مع هذا فإنه لا يجوز
تصغيره.
و منهم من تمسّك بأن قال: الدليل على أنه اسم
أنه تصحّ عينه نحو «ما أقومه، و لا أبيعه» كما تصح العين في الاسم في نحو «هذا
أقوم منك، و أبيع منك» و لو أنه فعل كما زعمتم لوجب أن تعلّ عينه بقلبها ألفا، كما
قلبت من الفعل في نحو: قام و باع و أقام و أباع في قولهم «أبعت الشيء» إذا عرّضته
للبيع، و إذا كان قد أجري مجرى الأسماء في التصحيح مع ما دخله من الجمود و التصغير
وجب أن يكون اسما.
و الذي يدلّ على أنه ليس بفعل و أنه ليس
التقدير فيه: شيء أحسن زيدا قولهم «ما أعظم اللّه» و لو كان التقدير فيه ما زعمتم
لوجب أن يكون التقدير: شيء أعظم اللّه، و اللّه تعالى عظيم لا بجعل جاعل، و قال
الشاعر:
[79]
ما أقدر اللّه
أن يدني على شحط
من داره
الحزن ممّن داره صول
- مجيئها مصغرة في هذا البيت، و البصريون لا
يرتضون ذلك، و يقولون إن تصغير «أملح» في هذا البيت شاذ، ألا ترى هذا الشاعر قد
صغر هؤلاء في نفس البيت مع أننا متفقون على أن التصغير من خصائص الأسماء المعربة؛
فهذا وجه، و منهم من يسلك في الرد مسلكا آخر، فيقول: إن صيغة التعجب لما أشبهت
صيغة التفضيل في الوزن و كان فعل التعجب- مع ذلك- جامدا أعطوا فعل التعجب حكم اسم
التفضيل؛ فأجازوا تصغيره، و قد ذكر ذلك ابن منظور في اللسان و ابن هشام في المغني-
قال ابن هشام في المغني، «الثالث- مما أعطي حكم الشيء لمشابهته له لفظا و معنى-
نحو اسم التفضيل و أفعل في التعجب؛ فإنهم منعوا التفضيل أن يرفع الظاهر لشبهه
بأفعل في التعجب وزنا و أصلا و إفادة للمبالغة، و أجازوا تصغير أفعل في التعجب
لشبهه بأفعل التفضيل فيما ذكرنا، و قال:
* يا ما أميلح
غزلانا ...*
و لم يسمع ذلك إلا في أحسن و أملح، ذكره
الجوهري، و لكن النحويين مع هذا قاسوه» اه.
[79] هذا البيت من كلمة لحندج بن حندج المري
يصف فيها طول ليله و ما يقاسيه من فرقة أحبابه، و هي من شعر حماسة أبي تمام (انظر
شرح المرزقي ص 1828)، و البيت من شواهد الأشموني (رقم 41) و الشحط- بفتح السين و
الحاء جميعا- هو البعد، و «الحزن» بفتح الحاء و سكون الزاي- موضع بعينه، و في بلاد
العرب موضعان بهذا الاسم: أحدهما:
حزن بني يربوع، و الثاني: ما بين زبالة فما فوق
ذلك مصعدا في بلاد نجد، وصول:-
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري الجزء : 1 صفحة : 105