و لأنّ
الحاجة قد تدعو إلى ذلك؛ لضعف المسلمين عن المقاومة، فيهادنهم إلى أن يقوى المسلمون،
و لا خلاف في جواز ذلك.
إذا ثبت
هذا: فإنّما تجوز المهادنة مع المصلحة للمسلمين، إمّا لضعفهم عن المقاومة فينتظر
الإمام قوّتهم، و إمّا لرجاء الإسلام من المشركين، و إمّا لبذل الجزية منهم و
التزام أحكام الإسلام.
أمّا لو لم
تكن المصلحة للمسلمين في المهادنة، بأن يكون في المسلمين قوّة و في المشركين ضعف،
و يخشى[2] قوّتهم و اجتماعهم إن لم يبادرهم بالقتال، فإنّه لا يجوز
له مهادنتهم و الحال هذه؛ لوجود الضرر للمسلمين، و لا نعلم فيه خلافا.
مسألة: إذا اقتضت المصلحة
مهادنتهم، وجب ذكر المدّة التي يهادنهم عليها،
و لا يجوز
له مهادنتهم مطلقا؛ لأنّ الإطلاق يقتضي التأبيد، و التأبيد باطل، إلّا أن يشرط[3] الإمام
الخيار لنفسه في النقض متى شاء، على ما يأتي من الخلاف.
و كذا لا
يجوز إلى مدّة مجهولة. و إذا شرط مدّة معلومة، لم يجز أن يشترط نقضها لمن شاء
منهما؛ لأنّه يفضي إلى ضدّ المقصود. و هل يجوز أن يشترط الإمام لنفسه دونهم؟ قال
الشيخ- رحمه اللّه-: يجوز ذلك[4]، و به قال ابن
الجنيد[5]،
[1]
سنن أبي داود 3: 86 الحديث 2766، المغازي للواقديّ 1: 611، الكامل في التاريخ لابن
الأثير 2: 204، السيرة النبويّة لابن هشام 3: 332، المغني 10: 509، الشرح الكبير
بهامش المغني 10: