responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الهداية الأثيرية المؤلف : الملا صدرا    الجزء : 1  صفحة : 408

ينزل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي فينادي منادي: أيها الناس، لم ترضوا من ربكم الذي خلقكم و رزقكم و أمركم أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا أن يولى كل ناس منكم ما كانوا يتولون و يعبدون في الدنيا أ ليس ذلك عدلا من ربكم؟ قالوا: بلى، قال: فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون و يتولون في الدنيا، قال: و تمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون ... الحديث بطوله.

أقول: و كما يولون في الآخرة ما تولّوا في الدنيا فإنما يولّون في الدنيا ما تولوه في السوابق، فإن كان لك شك في ذلك فاتل قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) [1] الآية، لتعلم أن اللّه عز و جل لا يحمل أحدا شيئا قهرا أو قسرا، بل يعرضه عليه، فإن تولاه فولاه، و إن لم يتوله لم يوله، و هذا محض الرحمة و العدالة. فإن قلت: ليس تولية الشي‌ء ما تولاه مطلقا عدلا بل حيث يكون التولي عن رشد و بصيرة فإن السفيه قد يختار لنفسه ما هو شر بالنسبة إليه لجهله و سفاهته فلا يكون تولية ذلك السفيه إياه عدلا و رحمة بل ظلما و جورا و إنما العدل و الرحمة في ذلك منعه إياه.

قلت: هذا التولي الذي كلامنا فيه ليس تولي لشي‌ء لشي‌ء يعرضه من خارج حتى يرد عليه القسمة إلى الخير و الشر، فإن ما يختاره السفيه إنما يسمى شرا لأنه مناف لذاته، فلذاته اقتضاء أولى متعلق بنقيض ذلك الأمر المتولي له فذلك هو الذي أوجب إن سمينا ذلك شرا بالنسبة إليه. و أما الاقتضاء الأولي فلا يمكن وصفه بالشرّ، لأنّه لم يكن قبله اقتضاء يكون هذا الاقتضاء بخلافه فيوصف بأنه شرّ، بل هو الاقتضاء الأوليّ الذي يكون خيرا على أي وجه كان، لأن الخير لكل شي‌ء ليس إلا ما هو مؤثر عند ذاته بذاته و تقتضيه ذاته بذاته، و التولي الذي فيه كلامنا هو الاستدعاء الذاتي و اللسان الوجودي الفطري الذي تسأل به الذات المطيعة السامعة لقول كن الداخلة امتثالا في الوجود.

و قوله: كن، ليس أمر قسر و قهر، لأن اللّه غني عن العالمين و لا حاجة له في وجودهم ليجبرهم بل أمر إذن و عطاء لأنه مسبوق بسؤال الوجود، فكأنه قال لربه بلسان مهيته: ائذن لي أن أدخل في عالمك و هو الوجود.

فقال اللّه تعالى له: كنْ‌ أي ادخل حضرتي فقد أذنت لك. كما حكى اللّه عز


[1] سورة الأحزاب، الآية: 72.

اسم الکتاب : شرح الهداية الأثيرية المؤلف : الملا صدرا    الجزء : 1  صفحة : 408
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست