responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الهداية الأثيرية المؤلف : الملا صدرا    الجزء : 1  صفحة : 406

ذلك الشي‌ء خيرا، فإنه إن كان خيرا فهو خيرا لذاته لا لأن مقتضاه مصائبه و آفاته.

و جاء في المثل: غثك خير من سمين غيرك.

و الوجه الثاني: أنّه أراهم ربّهم عاجزا مضطرا، إذ ظن أنه لا يجد سبيلا إلى صلاح الأنام و إقامة النظام إلا بإدخال الضر على هذا العاجز المسكين، فما له أن يعبد ربّا عاجزا؟ فإنه لا يعبد ربّه إلا لأنه يجد نفسه عاجزا فقيرا فيلتجئ إلى قوي عزيز، فإذا كان هو عاجزا مثله فقد فرّ من العجز إلى العجز، تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوا كبيرا. فتقول في جوابك بمثل ما قال الشاعر:

هوّن على بصر ما شقّ منظره‌

 

فإنما يقظات العين كالحلم‌

 

فاصبر ريثما آب إليك الفرار

 

و فائت السكينة و الوقار

 

فلست أول من زلّ في هذا المقام و استهزأ من هذا الكلام، ثم استمع ما يشفيك من غيظك و يكفيك في إزالة ريبك. فاعلم إن الطاعة كل هيئة تقتضيها ذات الإنسان لو خليت عن العوارض الغريبة فهي من الفطرة الأولى التي فطر اللّه عليها العباد كلهم و المعصية كل ما يقتضيه بشرط عارض غريب، فهي تجري مجرى المرض و الخروج عن الحالة الطبيعية فيكون ميل الإنسان إليه كشهوة الطين التي هي غريبة، بالنسبة إلى المزاج الطبيعي لم يحدث إلا لحدوث مرض و انحراف عن المزاج الأصلي الجبلي.

و قد ثبت في الحكمة إن الطبيعة بسبب عارض غريب تحدث في جسم المريض مزاجا خاصا يسمى مرضا، كما أن الصحة أيضا من الطبيعة على قياس الحركة الطبيعية الحاصلة من الطبيعة في ذاتها و القسرية الحاصلة بسبب القاسر، فيكون كلا من الحالتين ملائما لها في وقت مخصوص، لأن حالة القسر مطبوعة أيضا من وجه و قد ورد في الحديث القدسي: «إني خلقت عبادي كلهم حنفاء و إنهم آتاهم الشيطان فاحتالهم عن دينهم».

فالطاعة هي الحنيفية التي تقتضيها ذواتهم لو لم تمسسهم أيدي الشياطين. فإذا مستهم أيديها فسدت عليهم فطرتهم الأصلية فاقتضوا أشياء منافية لهم مضادة لجوهرهم البهي الإلهي من الهيئات الظلمانية و نسوا أنفسهم و ما جبلوا عليه، فاحتاجوا إلى رسول مبلغ من اللّه يتلوا عليهم الآيات و يسنّ لهم ما يذكرهم عهد ذواتهم من الصلوات و الصيام و الزكاة و صلة الأرحام إلى غيرها من الطاعات و الخيرات ليعودوا إلى فطرتهم‌

اسم الکتاب : شرح الهداية الأثيرية المؤلف : الملا صدرا    الجزء : 1  صفحة : 406
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست