اسم الکتاب : سه رسائل فلسفى المؤلف : الملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 280
عن الأضداد و الامتزاج بينها او التوسط بينها، [لا] كاقتصاد الماء
الفاتر الواقع بين طرفي الحرارة الشديدة و البرودة الشديدة الجامع لطرفيها الممتزج
منهما، فكذا [اقتصاد الراسخين في العلم كاقتصاد الأشاعرة لأنّه ممتزج من التنزيه
في البعض و التشبيه في البعض كمن] يؤمن ببعض الكتاب و يكفر ببعض؛ فان اقتصاد
هؤلاء ارفع من القسمين و ابعد من جنس الطرفين، حيث انكشف لهم بنور المتابعة و
المكاشفة و الاقتباس من معدن النبوة و مشكاة الولاية، اسرار الآيات و حقايق الصفات
على ما هي عليها من غير تشبيه و تعطيل و تجسيم و تأويل و تنور باطنهم بنور قذفه
اللّه في قلوبهم و شرح به صدورهم، فلم ينظروا في معانى الألفاظ القرآنية و الكلمات
النورية بمجرد الأفكار البحثية و الانظار الفكرية و لا من جهة السماع المجرد و
التقليد المحض [و الا، لا لأمكن تطرق] و لا التطرق التخالف بينهم و التناقض في
معتقداتهم و التنافي بين متلقفاتهم و مروياتهم و مسلماتهم، كما لسائر الفرق و حيث
وقع التدافع بين آراء كل فرقة منهم بواسطة تخالف ما وصل إليهم من الروايات، كما
وقع التدافع و التناقض بين طائفة و طائفة اخرى مع ان الجميع متعبدون لاله واحد و
رسول واحد؛ فطعن كل لاحق منهم السابق و انكر كل طائفة لما اعتقده الأخرى، كما هو
عادة اهل النظر و اصحاب الفكر في اشتمال علومهم الفكرية و كتبهم البحثية على
التعارضات و التناقضات، فاصبحت مؤلفاتهم معركة للآراء و ميدانا للمجادلة و الطعن
على العقلاء «كُلَّمادَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها»[1].
و هذا بخلاف طريقة اهل اللّه، فلا خلاف فيها لأحد مع صاحبه، لأن مآخذ
علومهم و معارفهم من عند اللّه «وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً
كَثِيراً»[2]،«وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ»[3].