الأمور الموجودة فى الطبيعة له لهلك أو لساءت معيشته أشد سوء.
وذلك لفضيلته ونقيصة سائر الحيوان على ما ستعلمه فى مواضع أخرى ، بل الإنسان محتاج إلى أمور أزيد مما فى الطبيعة ـ مثل الغذاء المعمول واللباس المعمول والموجود فى الطبيعة من الأغذية ـ ما لم تدبّر بالصناعات فإنها لا تلائمه ولا تحسن معها معيشته. والموجود فى الطبيعة من الأشياء التى يمكن أن تلبس أيضا ، فقد تحتاج أن تجعل بهيئة وصفة حتّى مكنها أن يلبسها.
وأما الحيوانات الأخرى فإن لباس كل واحد معه فى الطباع ، فلذلك يحتاج الإنسان أول شىء إلى الفلاحة وكذلك إلى صناعات أخرى ، لا يتمكن الإنسان الواحد من تحصيل كل ما يحتاج إليه من ذلك بنفسه ، بل بالمشاركة حتى يكون هذا يخبز لذاك ، وذاك ينسج لهذا ، وهذا ينقل شيئا من بلاد غريبة إلى ذلك ، وهذا يعطيه بإزاء ذلك شيئا من قريب.
فلهذه الأسباب وأسباب أخرى أخفى وآكد من هذه ما احتاج الإنسان أن تكون له فى طبعه قدرة على أن يعلم الآخر الذى هو شريكه ما فى نفسه بعلامة وضعية وكان أخلق ما يصلح لذلك هو الصوت لأنه ينشعب إلى حروف تتركب منها تراكيب كثيرة من غير مؤونة تلحق البدن ويكون شيئا لا يثبت ولا ييقى فيؤمن وقوف من لا يحتاج إلى شعوره عليه.
وبعد الصوت الإشارة فإنها كذلك ، إلا أن الصوت أدل من الإشارة ، لأن الإشارة إنما تهدى من حيث يقع عليها البصر [١] ، وذلك يكون من جهة مخصوصة ، ويحتاج أن يكلف المراد إعلامه أن يحرّك حدقته إلى
[١] من حيث يقع البصر عليه ، نسخة. وضمير « عليه » راجع الى « حيث » لانه بمعنى المكان.