اسم الکتاب : الشفاء - الطبيعيات المؤلف : ابن سينا الجزء : 1 صفحة : 94
الذي بين السواد و التسود افتراقا فصليا منوعا، و منهم من جعله[1]افترقا بمعنى غير فصلى[2]، إذ كان[3]هو كزيادة تعرض على خط فيسير خطا أكبر و لا يخرج[4]به من نوعه. و قال الأولون: بل التسود بما هو تسود هو سواد[5]سيال، و ليس[6]أمر
خارجا عن هويته بما هو تسود، فهو إذن تمايز السواد الثابت بفصل. و يمكن أن يبين
بطلان الحجتين جميعا. أما الأولى فتنتقض بالعدد، و أما الثانية فبالبياض و كونه
أمرا غير خارج عن هوية الأبيض بما هو أبيض من غير أن يكون فصلا. و هاهنا مذهب ثالث
و هو مذهب من يقول[7]إن لفظة[8]الحركة و إن كانت مشككة كما قيل، فإن الأصناف الواقعة تحتها ليست
أنواعا من المقولات على السبيل المذكورة[9]، فلا التسود نوع من الكيف،
و لا النقلة[10]نوع من الأين. فإن وقوع الحركة فى الكيف ليس على أن الكيف جنس لها و
لا أيضا موضوع لها، فإن جميع الحركات إنما هى فى الجواهر[11]من حيث هى فى موضوع لا غير و لا تمايز[12]بينها[13]فى هذا المعنى. و لكن إذا تبدلت جوهريته سمى ذلك التبدل، ما دام فى
السلوك حركة فى الجوهر، و إن كان فى الأين، سمى حركة فى الأين. و بالجملة إن كان
ما عنه و ما إليه كيفا فالحركة[14]فى
الكيف. و إن[15]كان كما فالحركة فى الكم و يقال الحركة على هذه لا بالتواطؤ، فإن
الكمال المأخوذ فى رسمها أخذ الجنس هو من الألفاظ المجانسة[16]للوجود و الوحدة. و أنت تعلم أن الكم و الكيف و الأين ليست داخلات تحت
جنس واحد، و إذا لم تكن هذه المقولات داخلة تحت جنس واحد و لا نسبة الكمال الأول
إليها أمرا أيضا[17]حاصرا إياها حصر الجنس، لم يكن[18]سبيل إلى أن نجعل الحركة معنى جنسيا، بل هو الرسم يتناول معنى إنما
يدل على مثله لفظ[19]مشكك[20]لا غير.
و المذاهب الملتفت إليها فى هذا المطلوب هى هذه الثلاثة، و ليس
يعجبنى المذهب الأوسط أولا، بل استكره ما يقال فيه[21]من أن التسود كيفية، و أن[22]النمو كمية[23]. و
بالحرى أن لا يكون التسود سوادا اشتد[24]، بل اشتداد الموضوع فى
سواده، و ذلك لأنه لا يخلو إذا فرضنا سوادا اشد إما أن يكون ذلك السواد بعينه
موجودا و قد عرضت له عند الاشتداد زيادة، أو لا يكون موجودا. فإن لم يكن موجودا
فمحال أن يقال إن ما قد عدم