اسم الکتاب : الشفاء - الطبيعيات المؤلف : ابن سينا الجزء : 1 صفحة : 309
الشيء قد يمكن أن يعقل[1]. و
لا تعرض له[2]الأسباب التي لوجوده منها بد، إلا ما كان منها لازما لطباعه. و ليس
واجبا ضرورة أن يكون الجسم لا يعقل، إلا و يلحقه فعل قاسر[3]فيه. فإذا كان كذلك، فطبيعة الجسم قد يمكن أن يفرض موجودا، و هو على
ما هو[4]عليه فى نفسه، و ليس يقسره قاسر. و إذا[5]فرض كذلك بقى و طباعه، و إذا بقى كذلك[6]و لم يكن بد من أن يكون له أين و شكل، و كل ذلك لا يخلو إما أن يكون
له من طباعه أو من سبب[7]خارج.
لكنا[8]قد[9]فرضنا أنه لا سبب من خارج، فبقى[10]أنه[11]من طباعه، و الذي من طباعه يوجد له، ما دامت طبيعة موجودة و لم يقسر،
فإن[12]كانت طبيعته بحيث تقبل القسر، أمكن أن يزول ذلك عنه بالقسر، و إن
كانت طبيعته بحيث لا تقبل القسر لم يزل ذلك عنه بالقسر.
فإن قال قائل: إنه يجوز أن يكون كل قاسر يرد فإنه يعطى شكلا و مكانا،
ثم[13]يبقى ذلك، فلا يزول إلا بقاسر آخر يرد[14]فلا يخلو دائما عن قاسر على التعاقب، كما لا يخلو عن الأعراض
بالتعاقب. و ليس يلزم من[15]ذلك
أن يكون واحد منها ذاتيا لا تفارقه.
فنقول: إن الجسم تعرض له الأعراض التي ليست[16]بلازمة على وجهين: أعراض تلحقه[17]فى ذاته، و أعراض[18]تلزمه[19]من مجاوراته. مثل كونه فوق و تحت و مماسا و محاذيا، و الأعراض التي
تلزمه لمجاوراته[20]لا تكون ضرورية له باعتبار ذاته. و الأعراض الأخرى فإنه لا يجب أن
يخلو[21]منها، بل يجوز أن يكون فيه عدمها فقط، و لو كانت مما يستحيل خلوها
عنه، بحيث لا يقوم إلا بوجود شيء منها فيه، لكانت صورا لا أعراضا، بل الأعراض هى
التي تعرض بعد تجوهر الشيء بحيث يجوز أن يوجد الشيء، و كل واحد منها[22]معدوم، فيمكن فرض جوهر الجسم دون شيء البتة منها. و أما المجاورات و
المماسات و ما يجرى مجرى ذلك، فليس تلزم الجسم لطبيعته، بل لوجوده مع جسم آخر.
فليس إذن يجب لا محالة أن يكون الجسم لذاته، حاملا بالفعل لحال مما لا[23]يقوم ماهيته، و لا يلزم[24]ما
يقوم ماهيته، فقد انحل التشكك[25].