اسم الکتاب : الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة المؤلف : الملا صدرا الجزء : 7 صفحة : 109
و أما الثاني
فلما دلت عليه قاعدة إمكان الأشرف[1]التي مر ذكر البرهان عليها من أن الفياض المطلق و الجواد
الحق لا يقتضي الأخس حيثما يمكن الأشرف بل يلزم من فيض وجوده و مقتضى جوده الأشرف
فالأشرف فلا جرم أبدع جل شأنه أولا العقول الفعالة و الصور المكرمة و الملائكة
المهيمة و الأنوار القاهرة إذ هي أشرف ما في الإمكان في الواقع و بحسب طبقتهم و
أفضل تلك الذوات المقدسة و أنورها و أضوأها هو أقدمها و أقربها من نور الأنوار جلت
آلاؤه ثم سائرها و ما سواه على الترتيب إلى أواخر تلك الطبقة و هي أرباب الأصنام و
مثل الأنواع الطبيعية التي أثبتها أفلاطون و الأفلاطونيون
[1]قدمنا في بحث المثل الأفلاطونية من السفر الأول ما في
المثل و ما في هذه القاعدة من الكلام و الذي ذكره في ترتيب الخلقة من نفوس فلكية و
كوكبية و أجرامهما و ما فيها من وجوه الخير و الكمال مبني على ما يعطيه آراء
القدماء من أهل الهيئة و العلوم الطبيعية و ما يتفرع عليهما و لا تصدقه الأبحاث
الحديثة لكنك تعلم أن هذه المسائل على ما بها من الجزئية مما لا تناله البراهين
الكلية الفلسفية و إنما أخذتها الفلسفة من العلوم المربوطة بها أصولا موضوعة- و إذ
تبينت اليوم بطلانها أو فتورها فالوجه أخذ الأنظار الأخيرة الحديثة أصولا موضوعة
في الفلسفة و بناء البحث عليها و إنما بيانها على عهدة العلوم الباحثة عنها و أما
أصل المدعى و هو اشتمال نظام البدء على أتقن الصنع و أشرف الترتيب فمما لا غبار
عليه كيف و عالم التجرد يحكي بنظامه النظام الربوبي الذي هو أفضل نظام و أشرفه و
هو فوق ما دونه كمالا و عالم المثال يحكي بنظامه العالم العقلي فيه أكمل الوجود
الإمكاني و أشرف الأنظمة و هو فوق عالم المادة الذي بعده كمالا و ما في عالم
المادة بمجراتها و شموسها و كواكبها و أقمارها و بما لها من الحركات و أنظمة الكون
و الفساد و الفعل و الانفعال.
ثم بما فيها من العناصر و تركيباتها ثم الذرات ثم ما في بطونها من
شموس ثابتة و كواكب سيارة و الأنظمة الجزئية و النظام الكلي الجاري في الكل عن
قواعد كلية لا تتخلف و موازين ثابتة لا تزيغ و عنايات هادئة لا تبيد كل ذلك مما
يدهش العقول بجماله و يملأ البصائر بصفائه و بهائه و ما ناله عقول البشر من عجائب
الصنع و لطائف التدبير و وجوه الخير منها و فيها كقطرة من بحر زاخر، ط مد
اسم الکتاب : الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة المؤلف : الملا صدرا الجزء : 7 صفحة : 109