اسم الکتاب : الحاشية على الإلهيات المؤلف : الملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 115
التقابل بين الوحدة و الكثرة لأنه المحتاج إلى البيان و لهذا اختلف
فيه و أما الكثرة المقابلة للقلة فمعلوم أن تقابلهما ليس إلا تقابل المضافين قوله و بالحري أن يتأمّل إلى آخره
سيعرف في هذا الفن على وفق ما جرى في فن الميزان أن أصناف التقابل أربعة فمنها
تقابل التضاد و يمتنع أن يكون تقابل الواحد و الكثير من هذا الوجه لوجوه الأول أن
الوحدة مقومة للكثرة و لا شيء من المقوم بضد لما يتقوم به بل ضد الشيء يكون
مبطلة و مفسده و الثاني أن شرط التضاد اتحاد المتضادين في الموضوع و صحة تعاقبهما
على موضوع واحد و لا شيء من الوحدة و الكثرة موضوعهما واحد لأن الكثرة إذا طرأت
على موضوع الواحد بطل ذلك الموضوع ببطلان وحدته و كذا إذا طرأت الوحدة على موضوع
الكثرة انعدمت الوحدات التي كانت ثابتة قبل ذلك و إذا بطلت الوحدات بطلت موضوعاتها
فبطل موضوع الكثرة فإن موضوع الكثرة هو مجموع تلك الوحدات و ليس لقائل أن يقول إن
الهيولى لما كانت باقية عند طريان الوحدة و الكثرة على الأجسام فللوحدة و الكثرة
موضوع واحد يتعاقبان عليه لأنا نقول وحدة الهيولى وحدة مبهمة و هي لا يكون موضوعا
لشيء من الوحدة العددية و لا لمقابلها إلا بعد تحصلها و تقومها بالصورة الجسمانية
و المراد من الموضوع هو الأمر الموجود المحصل الوجود بالفعل الثالث أن غاية الخلاف
معتبرة بين المتضادين من كل جانب و هاهنا ليس من كثرة إلا و يوجد أكثر منه و اعترض
على الوجه الأول بأن الوحدة و الكثرة شأنهما الإبطال فكل منهما يبطل الآخر بأن يحل
في موضوعه فإذا حل في موضوعه بطل الآخر و لا يجب أن يكون إبطال أحد الضدين لضده
كيف وقع على أي وجه كان و الجواب أن كلما كان له مبدأ و علة فكما أن وجوده بوجود
ما هو مبدأ فكذلك عدمه بعدمه و عدم شيء منه إذ لو بقي مبدؤه القريب كما كان
فاستحال طريان العدم عليه فإن الكثرة إنما يبطل ببطلان وحداتها و لا يبطل لذاتها
بطلانا أوليا كما لم يوجد لذاتها وجودا أوليا فإذن لا يكون التنافي و التباطل بين
الوحدة و الكثرة أوليا و بالذات فلا يكون تضاد بينهما بل إن كان و لا بد فالتنافي
حاصل بين الوحدة الطارئة و الوحدة الزائلة و ذلك أيضا ليس على وجه التضاد أما أولا
فلأن الضدين يجب أن يكونا على غاية التباعد و ليس الأمر بين الوحدة الطارئة و
الوحدة الزائلة كذلك و أما ثانيا فلأن موضوع الضدين واحد و ليس الأمر هاهنا كذلك
إذ ليس موضوع الوحدات الزائلة و لا موضوع شيء منها موضوع الوحدة الطارئة بل جزء
موضوعه بحسب المسامحة لا بحسب الحقيقة فإن جزئية الأجزاء المقدارية بضرب من
التشبيه إذ الجزء الحقيقي ما يجامع كله و الجزء المقداري إذا حصل بطل المسمى بالكل
اتصاله الذي هو نحو وجوده و الحاصل أن الوحدة ليست مبطلة للكثرة بالقصد الأول بل
بأن يبطل أولا الوحدات التي تألفت الكثرة منها و ببطلانها يبطل فلو كان تعاقبهما
منشأ التضاد فهذا التضاد يجب أن يكون بين الوحدة الطارئة و الزائلة على أن إبطال
الوحدة الطارئة للوحدة الزائلة ليس كإبطال أحد الضدين للآخر كالحرارة و البرودة
لأن الموضوع هناك باق يتواردان عليه و قد علمت أن الوحدة مقومة للموضوع لأنها عين
الوجود فإذا بطلت بطل الموضوع و وحدة الموضوع أيضا غير كافية في كونهما متضادين بل
يجب أن يكون مع هذا التعاقب الطبائع متنافية ليس من شأن أحدهما أن يتقوم بالآخر و
الكثرة بالنسبة إلى الوحدة ليست كذلك لأنها متقومة بها
[في موضوع الوحدة الشخصية و الكثرة الشخصية]
قوله و أيضا لقائل أن يقول إلى آخره
هذا أحد الوجوه التي ذكرناها أولا في نفي التضاد بين الوحدة و الكثرة و الذي ذكره
الشيخ قبيل هذا من نفي بقاء الموضوع عند إبطال الوحدة الطارئة للوحدة الزائلة كان
من وجوه نفي التضاد بين الوحدة المبطلة للكثرة و الوحدة التي هي من أجزاء الكثير و
أما المذكور هاهنا فالغرض منه إيراد وجه آخر لنفي التضاد بين الوحدة و نفس الكثرة
التي تقابلها و هو أن شرط التضاد أن يكون موضوع المتضادين إذا كانا اثنين بالعدد
واحدا بالعدد و إذا كانا اثنين بالنوع كان واحدا بالنوع و على هذا القياس في
غيرهما من أقسام الوحدة الحقيقية و الكثرة التي تقابلها فالسواد و البياض الشخصيين
لا يجتمعان في موضوع واحد بالشخص و يجتمعان في موضوع واحد بالنوع فزيد مثلا يمتنع
أن يكون أبيض و أسود و الإنسان المطلق يصح كونه أبيض و أسود فحينئذ نقول لا يوجد
لوحدة بعينها و كثرة بعينها موضوع واحد بالعدد فالواحد الشخصي كزيد مثلا لا يمكن
فرض الكثرة الشخصية المقابلة للوحدة الشخصية فيه فلا يمكن فرض كون زيد أشخاصا
متعددة كلها زيد و كذا الماء الشخصي الواحد بالاتصال لا يمكن فرض زوال وحدته
العددية و عروض الكثرة المقابلة لها إياه بأن يصير ذلك الماء بعينه مياها كل منها
ذلك الماء بعينه إذ قد علمت أن الوحدة الحقيقية لكل شيء هي بعينه وجوده و تشخصه
كما هو عندنا و مستلزم لها كما هو عند القوم و أما ما توهم من النقض بالهيولى من
جهة أنها باقية عندهم في حال الوحدة و الكثرة بعينها فيدفع بأن الهيولى
اسم الکتاب : الحاشية على الإلهيات المؤلف : الملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 115