اسم الکتاب : نهاية الحكمة المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 1 صفحة : 303
وغيرها المدركة
بالحواسّ الباطنة ، فصورها الذهنيّه مُدرَكة لا بالاتّصال بالخارج. وأيضاً لا تدرك
الحواسّ إلاّ الماهيّات العرضيّة ، ولا حسَّ ينال الجوهر بما هو جوهر ، فصورته
الذهنيّة مأخوذة لا من طريق الحسّ واتّصاله بالخارج.
قلت
: أمّا الصور الذهنيّة المأخوذة
بالإحساسات الباطنة ـ كالحبّ والبغض وغيرهما ـ فالنفس تأخذها ممّا تدركه من الصفات
المذكورة بوجودها الخارجيّ في النفس ، فالاتّصال بالخارج محفوظ فيها.
وأمّا الجوهر ، فما ذُكِرَ أن لا حسَّ
ظاهراً ولا باطناً يعرف الجوهر ويناله ، حقٌّ لا ريب فيه ، لكن للنفس في بادىء
أمرها عِلْمٌ حضوريٌّ بنفسها تنال به نفس وجودها الخارجيّ وتشاهده ، فتأخذ من
معلومها الحضوريّ صورةً ذهنيّةً ، كما تأخذ سائر الصور الذهنيّة من معلومات
حضوريّة على ما تقدّم ، ثمّ تحسّ بالصفات والأعراض القائمة بالنفس وتشاهد حاجتها
بالذات إلى النفس الموضوعة لها وقيام النفس بذاتها من غير حاجة إلى شيء تقوم به ، ثمّ
تجد صفات عرضيّة تهجم عليها وتطرؤها من خارج فتنفعل عنها ، وهي ترى أنّها أمثال
الأعراض المعلولة للنفس القائمة بها وحكم الأمثال واحدٌ ، فتحكم بأنّ لها موضوعاً
هي قائمة به ، كما أنّ النفس موضوعة لصفاتها العرضيّة ، فيتحصّل بذلك مفهوم الجوهر
، وهو أنّه ماهيّة إذا وجدَتْ وجدَتْ لا في موضوع.
الثالث
: أنّه تبيّن بما تقدّم أنّ الوجود ينقسم
من حيث التجرّد عن المادّة وعدمه إلى ثلاثه عوالم كلّيّة : أحدها : عالم المادّة
والقوّة.
وثانيها : عالم التجرّد عن المادّة دون
آثارها من الشكل والمقدار والوضع وغيرها ، ففيه الصور الجسمانيّة وأعراضها وهيئات
الكماليّة من غير مادّة تحمل القوّة ، ويسمّى «عالم المثال» و «عالم البرزخ» ، لتوسُّطِهِ
بين عالمَيِ المادّة والتجرّد العقليّ.
وقد قسموا عالم المثال إلى المثال الأعظم
القائم بنفسه ، والمثال الأصغر القائم بالنفس الذي تتصرّف فيه النفس كيف تشاء بحسب
الدواعي المختلفة ،
اسم الکتاب : نهاية الحكمة المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 1 صفحة : 303