أجسام لا تتناهى إذ قد
تبين بالبرهان استحالة بعد لا يتناهى في الملا و الخلاء و كذلك لو قدر تقديرا عالم
آخر قبل هذا العالم لم يؤد ذلك إلى تجويز عوالم هي متحركات لا تتناهى إذ تبين
بالبرهان استحالة مدة و عدة لا تتناهى، فرجع الخلاف إذا إلى استحالة وجود جسم لا
يتناهى بعدا و بيان استحالة وجود أجسام لا تتناهى زمانا فإن الخصم يسلم التقدم و
التأخر في المعية فإذا سلم التقدم نقول: لا يلزم من تقدير جسم لا يتناهى بعدا و إن
كان مستحيلا أن يكون مع الباري تعالى بالمكان كذلك لم يلزم من تقدير حركات لا
تتناهى زمانا أن تكون مع الباري تعالى بالزمان فإنه تعالى غير قابل للزمان و
المكان و كان اللّه و لم يكن معه شيء إذ لم تكن معية بالذات و لا بالوجود و لا
بالرتبة المكانية و الزمانية و لم يلزم من إطلاق كونه موجدا أن يكون الموجد معه في
الوجود و لا لزم من إطلاق كونه موجبا أن يكون الموجب معه في الوجود، فإن الوجود
المستفاد لا يكون مع الوجود المفيد و كان المعية من كل وجه و على كل معنى من
الأقسام منفيا عنه سواء أطلقناها في قسم واحد أو في قسمين مركبين، و نحن نبدأ بطرق
المتكلمين ثم نعود إلى ما ذكرناه من الكلام على محل النزاع.
فنقول للمتكلمين طريقان في
المسألة أحدهما إثبات حدث العالم، و الثاني إبطال القول بالقدم.
أما الأول: فقد سلك عامتهم طريق الإثبات الأعراض أولا، و إثبات حدثها ثانيا و
بيان استحالة خلو الجواهر عنها، ثالثا و بيان استحالة حوادث لا أول لها، رابعا و
يترتب على هذه الأصول أن ما لا يسبقه الحوادث فهو حادث و قد أوردوا هذه الطريقة في
كتبهم أحسن إيراد.
و أما الثاني: فقد سلك شيخنا أبو الحسن الأشعري رضي اللّه عنه طريق الإبطال و قال:
لو قدّرنا قدم الجواهر لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكون مجتمعة أو مفترقة أو لا
مجتمعة و لا مفترقة أو مجتمعة و مفترقة معا أو بعضها مجتمع و بعضها مفترق[1]، و بالجملة ليست تخلو عن اجتماع و
افتراق أو جواز طريان الاجتماع و الافتراق و تبدل أحدهما بالثاني و هي بذواتها لا
تجتمع و لا تفترق لأن حكم الذات لا يتبدل و هي قد تبدلت فإذا لا بدّ من جامع فارق
فيترتب على هذه الأصول أن ما لا يسبق الحادث فهو حادث، و قد أخذ الأستاذ أبو إسحاق
الأسفراييني هذه الطريقة و كساها عبارة أخرى، و ربما سلك أبو الحسن رحمه اللّه
طريقا في إثبات حدوث الإنسان و تكونه من نطفة أمشاج و تقلبه
[1] انظر: غاية المرام
للآمدي (ص 248) نقلا عن المصنف.