الدواعي كما تتوفر إلى نقل
أحدهما تتوفر إلى نقل الآخر، بذلك جرت العادة، و الطباع مجبولة على ما ذكرناه، الا
ترى أنّه لو سقط الخطيب من المنبر يوم الجمعة و العياذ باللّه بحضور القوم و وقعت
فتنة في الجامع بسبب من الأسباب، فانّه كما ينقل أحدهما ينقل الآخر، و لا يجوز و
لا يتصوّر من طريق العادة أن ينقل السقوط و لا ينقل الفتنة أو على العكس، هذا مع
أنّه لا حاجة للناس ماسّة إلى نقل أمثال هذا، فكيف إذا كان الواقع أمرا تمسّ
الحاجة إلى نقله، كالمعارضة التي كانت حاجة أعداء النبيّ ماسّة إلى إظهارها و
نقلها أن لو كانت، فانّهم بذلك كانوا يتخلّصون ممّا ألزمهم النبيّ عليه السلام.
و نظير مسألتنا أن يقوم
مصارع في بلد و يدّعي تميّزه عن سائر أقرانه في المصارعة و أنّه يغلبهم و لا يغلبه
أحد منهم و يشيع و يفشي هذه الدعوى منه ثمّ يقوم في مقابلته واحد و يصارعه و يصرعه
و يغلبه و يبطل دعواه، أ فيتصوّر أن ينقل دعوى المصارع تميّزه عن الأقران و لا
ينقل بطلان دعواه بغلبة غيره عليه و قهره له، أو يشيل واحد حجرا ثقيلا و يدّعي
تميّزه عن الأقران بإشالته، فيجيء واحد و يشيل مثل إشالته، و يبطل بذلك دعواه، أ
فيمكن من حيث العادة أن ينقل أحد الأمرين دون الاخر؟ مع أنّهما جميعا وقعا ظاهرين؟
و وجه آخر في بيان وجوب
ظهور المعارضة و نقلها لو كانت. و هو أنّه لو وقعت المعارضة لكانت هي الحجّة، و
القرآن شبهة، و نقل الحجة أولى من نقل الشبهة، فكان يجب على الحكيم تعالى أن يقوي
دواعي الناقلين إلى نقلها لينقلوها إزاحة لعلّة المكلّفين. و ليس لأحد ان يدّعي
أنّهم عارضوه و لكنّهم لم يظهروا المعارضة.
و ذلك لأنّ ما يدعوهم إلى
المعارضة يدعوهم إلى إظهارها و هو طلب التخلّص ممّا ألزمهم من خلع الديانات و
العبادات و بطلان الرئاسات التي ألفوها و نشئوا عليها. و لهذا أظهروا كلام مسيلمة
مع سخافته و ركاكته و بعده عن دخول الشبهات فيه و نقلوه، فكيف لم ينقلوا ما فيه
شبهة قويّة أو هو حجّة.