اعلم أنّ الرزق هو الذي
يصحّ انتفاع الحيوان به و لا يكون لغيره أن يمنعه من الانتفاع به، و قد يسمّى
تمكين الحيوان من الانتفاع بالشيء مع الحظر على غيره منعه من الانتفاع به رزقا.
فصار اسم الرزق مشتركا بين الشيء المنتفع به و بين التمكين من الانتفاع به، على
الوجه الذي ذكرناه، و ذلك لأنّه كما يقال: هذا الطعام رزق لزيد إذا صحّ انتفاعه به
و لم يكن لغيره منعه من ذلك الانتفاع، يقال: رزقه اللّه مالا، بمعنى أنّه مكّنه من
الانتفاع به و حظر على غيره منعه من ذلك، و كذا يقال: رزق السلطان جنده إذا مكنهم
من الانتفاع بأنّه رزقهم من جهته و حظر على غيرهم منعهم من ذلك الانتفاع. و ليس
الرزق هو التمليك و لا الملك، لأنّ البهيمة، مرزوقة و ليست مملّكة و لا مالكة، و
اللّه تعالى مالك و ليس مرزوقا لاستحالة الانتفاع عليه، فصحّة الانتفاع مراعاة في
الرزق دون الملك و يراعى في المملك و المالك أن يعلم ما يعلمه العقلاء أو يتوقّع
ذلك فيه. فلذلك لا يقال: مملّك و لا مالك في العجم و ما لا يكون من قبيل العقلاء،
بل لا ينفصل الرزق من الملك في حقّ العقلاء، فكلّ شيء هو رزقهم فهو ملكهم، و كلّ
ما هو ملكهم فهو رزقهم.
فإن قيل: أ ليس يقال في
حقّ من هو من قبيل العقلاء: رزقه اللّه ولدا و عقلا و علما، و لا يقال: ملّكه ولدا
و عقلا و علما.