ان عنيت به العلم بحقائق
الأشياء الذي يسمّيه بعض الأقوام تصوّرا، كالعلم بأنّ الجوهر ما هو؟ و الكون ما
هو؟ و كذا القول في اللون و سائر الأجناس، على ما تقدّم، فلا شك في أنّ هذا العلم
لا تعلّق له، إذ لا التفات لهذا العلم إلى جوهر معيّن أو سواد معيّن أو شيء
معيّن، و ليس الجوهر المطلق شيئا موجودا خارج الذهن حتّى يجعل هذا العلم متعلّقا
به. فالقول بأنّ هذا العلم غير متعلّق صحيح، و لكنّ العلم بأن للأجسام محدثا ليس
من هذا القبيل، حتّى يقال لا تعلّق له.
و إن عنيت به العلم بشيء
من جملة أشياء، كعلم الإنسان بانّ زيدا في هذه العشرة، فقلت إنّ هذا العلم لا
تعلّق له، فهذا باطل، لأنّ هذا العلم له التفات إلى شخص من أشخاص الناس، و العالم
به يعلم أنّه معيّن في نفسه و إن لم يتعيّن له، و أنّه بخلاف العلم بحقائق
الأشياء، و إنّما لم يتميّز له معلومه كلّ التميّز، و إلّا فمعه ضرب من التميّز. أ
لا تراه يعلم أنّ الذي علمه إنما هو في هذه العشرة دون غيرها من العشرات، و إن كان
العلم لا يتعلّق إلّا إذا كان معه تمام التميّز لوجب أن لا يكون في الشاهد علم
متعلّق، لأنّ أحدنا لا يعلم معلوما على سائر الضروب و التفاصيل الممكنة في حقّه.