في هذه الأجسام و لا
مجاورة لها، لم يكن كلّ واحد [منها][1] بأن يوجب ما يوجبه لبعض الأجسام أولى من أن يوجبه البعض الآخر، فكان
يجب أن يوجب جميع ما يوجبه لجميع هذه الأجسام حتّى يكون الجسم الواحد صفة الأرض
المحض و الماء المحض و الهواء المحض و النار المحض، و خلافه معلوم و كذا إن فرض
موجب واحد لجميع هذه الصفات مباين عن الأجسام، فإنّه يلزم ما ذكرناه من اتّصاف كلّ
واحد من هذه الأجسام بجميع هذه الصفات، فلم يبق إلّا أنّ يكون مختارا.
ثم نقول: هذا الفاعل
المختار لا يخلو من أن يكون جسما أو غير جسم، فإن كان جسما فلا بدّ من أن يكون
مركّبا من الحارّ و البارد و الرّطب و اليابس، فما الذي أوجب مفارقة أجزائه في هذه
الصّفات؟ فلا بدّ من مؤثّر آخر.
ثمّ و بالجملة، فإنّ الحيّ
المبنيّ ببنية مخصوصة مفارق للأرض الصرف، و الماء الصرف و الهواء الصّرف و النار الصرف،
فما الذي أوجب هذه المفارقة بينه و بينها فيتّجه عليه التسلسل، و هو باطل، فلم يبق
إلّا أن يكون غير جسم.
و هو المقصود.
و اعلم أنّ العلم بأنّ
للأجسام و للأعراض المخصوصة محدثا أوّل فلم يتعلّق به تبارك و تعالى، لأنّه لا
محدث للأجسام و الأعراض المخصوصة غير اللّه تبارك و تعالى و لم يسبق هذا العلم علم
آخر يتصوّر أن يكون علما به تعالى.
و لا يمكن أن يقال في هذا
العلم إنّه لم يتعلّق به تبارك و تعالى من حيث انّه علم جملة الجملة لا تعلّق له.
و ذلك لأنّ العالم بهذا العلم يعلم أنّه علم ذاتا مؤثّرة في حدوث الأجسام لا شيئا
لا أثر له، و علم أنّه متعيّن في ذاته و إن لم يتعيّن له، و انّ علمه هذا بخلاف
علمه بحقائق الأشياء، كعلمه بأنّ الجوهر ما هو؟