لم يفعل ذلك الذي يصلح
عنده مع علمه بذلك، دلّ ذلك على انّه ما أراد صلاحه. ألا ترى: أنّ من أراد صلاح ابنه،
و علم أنّه لا يصلح إلّا بالرّفق به، و علم أنّه لا مضرّة على أحد في الرفق به و
ليس فيه وجه آخر من وجوه القبح، فانّ داعيه إلى صلاحه يدعوه إلى أن يرفق به و متى
لم يرفق به و الحال ما وصفناه، علم العقلاء أنّه ما أراد صلاحه. و هذه الطريقة
إنّما تدلّ على أنّ المكلّف لا بدّ أن يفعل اللطف و أنّه يقع منه لا محالة، و لا
تدلّ على انّه واجب بمعنى استحقاق الذمّ بالإخلال به. فهي نظير لبعض ما يستدلّ به
أصحاب الأصلح في الدنيا.
و منها: أن قالوا: اللطف
نفع للمكلّف، و ليس فيه مضرّة و لا وجه من وجوه القبح و لا يؤدّي إلى ما لا نهاية
له. لأنّ اللطفيّة ليست أمرا يعلّل بصفة الجنس، حتّى يلزم اشتراك جميع ما يكون من
ذلك الجنس فيه، و هو- أعني اللطف- مقدور له تعالى. و ما هذا سبيله لا بدّ من أن
يفعله تعالى على مذهب من يقول بوجوب الأصلح في الدنيا. و هذا الزام على أصحاب
الأصلح إذا خالفوا في وجوب اللطف ثمّ و هو[1] أيضا لو دلّ فانما يدل على وجوب اللطف من جهة الداعي أي على أنّه لا
بدّ من وقوعه، و لا يدلّ على وجوبه، بمعنى استحقاق الذمّ بالإخلال به.
فأمّا من لم يقل بوجوب
اللطف، فانّه يتمسّك بأن يقول: لو وجب فعل اللطف لفعله اللّه تعالى بالكفّار و
جميع العصاة، و لو فعل بهم لما عصوا.
فيقال له: اللطف إنّما يجب
فعله بالمكلّف إذا كان له لطف يطيع عنده، و الكفّار و العصاة لا لطف لهم فيفعله
تعالى، و لو كان لهم لطف يطيعون عنده لفعله اللّه بهم، و لا يمتنع أن لا يكون
للعصاة لطف، كما لا يمتنع أن يكون