هو التفكّر، و كلّ فعل
يفعل عن تفكّر و تدبّر يصفه بأنّه مخلوق، فيلزمه أن لا يصف أفعال اللّه تعالى
بأنّها مخلوقة حقيقة، و إنّما يستعمل فيها المخلوق على طريق التوسّع و التجوّز و
لا شكّ في أنّه حصل تعارف شرعيّ بأنّه لا يطلق اسم الخالق على غير اللّه تعالى و
إن كان اللّه تعالى أثبت الخلق في حقّ غيره، كما قال:
«فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ»[1]، و قال لعيسى: «وَ إِذْ تَخْلُقُ
مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ»[2]، إلّا أنّ الخالق مطلقا لا يقال إلّا للّه تعالى، للتعارف الذي
ذكرناه.
إن قالوا: أ ليس اللّه
تعالى يقول: «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ»[3] فصل بين الخلق و الأمر، و قال تعالى:
«الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ»[4]، فصل بين القرآن و بين الإنسان في الخلق، فلو كان القرآن داخلا في
الخلق بمعنى من المعاني لما صحّ هذا الفرق.
قلنا: لا دلالة لكم في
الآيتين، إنّما أراد تبارك و تعالى بالآية الأولى انّه خلق العقلاء و خلق غيرهم
لهم، فكلّهم له، و له أنّ يأمرهم و يحكم عليهم، لأنّهم عبيده، و لا يدلّ على أنّ
الأمر ليس فعلا له و لا خلقا له؛ و أراد في الآية الثانية إثبات النعمة و الامتنان
بها على المكلّفين، و الامتنان إنّما يحصل بتعليم القرآن لا بخلقه من دون التعليم.
و كيف يمكن الاستدلال
بإفراد الشيء بالذكر على أنّه غير داخل في الجملة المذكورة أ ليس اللّه تعالى
قال: «مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ
جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ»[5]،
و لم يدلّ على أنّ جبرئيل و ميكائيل ليسا من الملائكة؟ و قال: