إن قالوا: لأنّهم إذا
عقلوا معنى يدعوهم الداعي إلى الإخبار عنه، و لا يمكنهم الإخبار إلّا بالاشتقاق و
الوضع، فيقوى دواعيهم إلى الوضع و الاشتقاق.
قلنا: يمكنهم الإخبار بغير
وضع وصف و اسم مفرد، بل بأن يخبروا عنه بإضافة أو إشارة.
ثمّ يقال: وهب أنّ دواعيهم
تقوى إلى ذلك، أو ليس أعمال العباد مخلوقة فيهم من جهته تعالى على مذاهبكم، فلم
يجب وقوع فعلهم بحسب دواعيهم.
فلعلّ اللّه تعالى لم يخلق
فيهم هذا الاشتقاق، و إن توفّرت دواعيهم إليه.
ثمّ يقال: أو ليس قد عقلوا
أشياء في محالّ و علموها و ما اشتقّوا للمحلّ منها وصفا. مثاله رائحة الكافور و
المسك، فانّهما معنيان مفهومان لهم، و لم يشتقوا للمحلّ من أحد المعنيين، بل عرفوا
الرائحة بالنسبة إلى المحلّ، فقالوا: رائحة الكافور و رائحة المسك.
ثمّ يقال لهم قد بيّنا أنّ
الوصف بالمتكلّم مشتقّ من الكلام لفاعله، فكيف يكون هذا الوصف بعينه مشتقا لمحلّه،
و ما رأيناهم فعلوا مثل ذلك في موضع أخر؟ ألا ترى أنّهم وصفوا محلّ الحركة بأنّه
متحرك و فاعلها بأنّه محرك، و محلّ السواد بأنّه أسود و فاعله بأنّه مسوّد، فلم
يجعلوا وصف المحلّ و الفاعل واحدا.