تعالى بالعبوديّة، فكذلك
لا يمنع إضافة ما نقرؤه بالحروف في الحال إلينا من إضافته إليه تعالى، بالمعنى
الذي ذكرناه، و هو انّه المبتدئ بمثل ذلك النظم، و لا تنافي بين الإضافتين.
فإن قيل: إضافة الشخص
الواحد إلى أبيه و إضافته إليه تعالى إنما هما إضافتان بمعنيين مختلفين.
قلنا: و كذلك إضافة ما
نقرؤه من القرآن إلينا و إلى اللّه تعالى إنّما هي بمعنيين مختلفين إذ معنى إضافته
إلينا أنّا نحدثه، و معنى إضافته إليه تعالى أنّه المبتدئ بمثل هذا النظم حتى
حفظناه و تعلّمناه و أمكننا قراءته، و قد بيّنا أنّ هذه الإضافة إليه تعالى
حقيقية، لابتدار المعنى الذي ذكرناه منها إلى الأفهام.
فأمّا ما ذكره السائل من
أنّ هذا يقدح في كون القرآن معجزا يتحدّى به- فغير لازم، و ذلك لأنّ التحدّي
بالقرآن ما وقع بمعنى أنّكم أيّها العرب أو غيركم تعجزون عن حفظ ما أتيت به و
حكايته و قراءته، و إنّما وقع بمعنى أن يأتوا من قبل أنفسهم بكلام مثل القرآن في
الفصاحة ابتداء على ما جرت به عادتهم في تحدّي بعضهم بعضا بشعر أو خطبة و ما ذكره
السائل وقع لأبي عليّ و أبي الهذيل قبله.