القول بأن للكلام معنى،
سوى الحرف و الصوت و ما يتركّب منهما، يوجد مع الصوت مسموعا، و مع الكتابة مكتوبا،
و مع الحفظ محفوظا، و أنّه يصحّ بقاؤه و وجوده في حالة واحدة على اتحاده في أماكن
متباعدة.
و بيّنا الجواب عن هذا
السؤال على هذا المذهب، فقالا: التالي لكلام اللّه تعالى يوجد مع تلاوته عين كلام
اللّه تعالى الذي أوجده فهو باق موجود مع تلاوة كلّ تال، و لا يلزمنا شيء ممّا
ذكره السائل. و احتجا لصحّة مذهبهما بأن قالا:
لو لم يكن الكلام موجودا
مع الكتابة لما صحّ تلاوته من الكتابة، و لو لا أنّه موجود مع الحفظ لما تمكّن
الحافظ له من قراءته. و أيضا فانّ تلاوة القرآن ربما تقبح من بعض المكلّفين،
كالجنب و الحائض، و لا يجوز وصف القرآن و كلام اللّه تعالى بالقبح. و هذا مذهب
باطل لا يحتاج إلى ارتكابه في جواب سؤال السائل. على ما بيّنا القول فيه.
و نحن نبيّن بطلان ما
تمسّكا به لنصرة مذهبهما ثمّ ندلّ ابتداء على بطلان هذا المذهب.
أمّا قولهما: «لو لا وجود
الكلام مع الكتابة لما أمكن قدرة الكلام من الكتابة»، فالردّ عليه أنّ التلاوة من
الكتابة إنّما أمكن، لا لما ذكرتموه، بل لأنّها رقوم جعلت أمارات دالّة على الحروف
و الأصوات، بالمواضعة عليها. فمن عرف تلك المواضعة و نظر في الكتابة أمكنه تلاوة
الكلام بالاستدلال بها عليه، و على هذا فانّ الكتابة و الرقوم الدالة على كلام
واحد تختلف باختلاف الخطوط و اختلاف المواضعة عليها، و الكلام الواحد لا يختلف.