هو ما جمع هذه الأوصاف ما
قد علمنا من حال أهل اللغة أنّهم يسمّون ما حصلت فيه هذه الأوصاف كلاما و ما لم
يجمع هذه الأوصاف لا يسمونه كلاما.
و أمّا المتكلّم، فهو من
وقع منه الكلام الذي وصفناه بحسب قصده و داعيه و بيانه بالرجوع إلى أهل اللسان
أيضا، فانّهم إنما يسمّون الإنسان متكلّما إذا وقع منه الكلام بحسب قصده و داعيه
محققا أو مقدّرا، و إذا لم يقع منه ذلك لا يسمّونه متكلّما إلّا على وجه التغليب
دون الإفادة.
يبيّنه أنّهم لما اعتقدوا
في بعض ما يسمّونه من المصروع انّه واقع بحسب قصد الجنّي و داعيه، أضافوه إلى
الجنّي و قالوا: تكلّم الجنّيّ على لسانه. فدلّ ذلك على أنّ المتكلّم عندهم من
وصفناه.
و أمّا الطريق إلى إثبات
كلامه تعالى و كونه متكلّما، فهو السمع و ما نعلمه ضرورة من دين الرسول، عليه
السّلام و قوله: إنّ اللّه تعالى أنزل القرآن عليّ، و أنّه كلامه و وحيه إليّ، و
الإجماع منعقد على ذلك أيضا. هذا هو الطريق إلى معرفة كلام اللّه تعالى، فأمّا
العقل فلا دلالة فيه على ثبوت كلامه تعالى و أنّه متكلّم، إنّما دلّ العقل على أنّه
قادر على الكلام فحسب.
فإن قيل: فكيف تستدلّون
بقول النبيّ عليه السلام، و ما نعلم من دينه ضرورة على ثبوت كلامه تعالى، و أنتم
إنّما تعلمون نبوّته و صحّة قوله بالقرآن الذي هو كلامه تعالى. فهل هذا إلّا
استدلال بكلّ واحد من الأمرين على الآخر، إذ لا تعلمون نبوّته إلّا بالقرآن- الذي
هو كلام اللّه تعالى- الّا بقوله، فيصير دورا. و كذا إن استدللتم بالإجماع، لأنّ
المجمعين إنما يعلمون كون القرآن كلام اللّه تعالى بقول النبيّ، فيكون حكمهم
كحكمه. و من وجه آخر و هو أنّ صحة الإجماع إنّما تعلم إما بالقرآن أو بالخبر، و صحّتهما
مبنيّة على العلم بنبوّته عليه السلام التي إنما تعلم بالقرآن على ما سبقت الإشارة
إليه.
قلنا: أوّل ما نقوله أنه
يمكننا معرفة نبوّته و صحّة قوله عليه السلام من دون