من العاصي الطاعة مع فقد
قدرته عليه؟ و إن قالوا: إنما يتوقّع من العاصي الطاعة بتقدير أن يكون فيه القدرة
عليها. قلنا: فكذلك يتوقّع من العاجز و الزّمن العدو بتقدير وجود القدرة عليه
فيهما.
و منها: إن قالوا: العاصي
تارك للطاعة، و العاجز و الزّمن ليسا تاركين للعدو قلنا: ما معنى قولكم: الكافر
تارك للإيمان؟ أ تعنون به أنّه كان في وسعه و قدرته أن يؤمن فتركه؟ فهذا بخلاف
مذهبكم أو تعنون أنّه لم يكن في وسعه الإيمان، لكنّه مع ذلك تركه؟ فنقول: إن جاز
ذلك فليجز أن يكون العاجز و الزّمن تاركين للسعي و العدو، و قد ورد السمع مؤكّدا لما
ذكرنا في قوله تعالى:
«لا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها»[1]، و «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»[2]، و الشرع ما أوجب القيام في الصلاة على الزمن و الممنوع منه و لا
أوجب الزكاة إلّا على مالك النصاب و الحجّ إلّا على المستطيع.
احتجّوا في أنّ اللّه
تعالى كلّف عباده ما لا يطيقونه بقوله تعالى:
«أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»[3]، فكلّفهم أن يخبروه بأسماء ما كانوا عالمين بها، و لا طريق لهم إلى
علمها، و ذلك تكليف ما لا يطاق.
و الجواب عن ذلك: أنّ ذلك
ليس تكليفا، و إنما هو تقرير عليهم عجزهم و قصورهم علمهم بالأسماء، و أنّه تعالى
هو العالم بكلّ شيء دونهم و تحد لهم بذلك، و لهذا قال تعالى: «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»،
و لذلك لم يوصف الملائكة لمّا لم يخبروه تعالى بالأسماء بأنّهم عصاة.